منى توفيق عثامنة..تكتب ((الانتخابات ما بين الماء والغطّاس))
المرفأ……. لقد أنزل الله في محكم تنزيله طبيعة خلق الإنسان من طينة آدم ورَحِم حواء ثم جعلنا شعوباً وقبائل لنتعارف وهذا تكوين رباني للمساواة والعدالة والتفضيل بالتقوى تعجز عن تشريعه قوانين البشر .
إلّا أنّه لا يتعارض مع المفاهيم الإيجابية الموروثة لمفهوم العشيرة
فهي شكل من أشكال الوِحدة على أساس الأمر بالمعروف ونبذ المنكر
فقرابة النسب فيها الصلة الحميدة والمودة والرحمة والتحلّي بالصفات الموروثة من شجاعة وكرم وحسن جوار وطيب تعامل يكون لها الدور الأكبر في إذاعة صيت عشيرة أو تجمع عشائري يؤهله لدور اجتماعي نبيل مثل إصلاح ذات البين في كثير من القضايا التي تقع بين الناس .
وحيث أننا لا ننسلخ عن ديننا لم ولن ننبذ العشيرة دون عوائق التعصب والتكبّر أو نسحقها بالتفاخر غير المبني على إنجاز أو التقديس الجاهلي.
وحيث أنّنا اليوم نعيش مرحلة تضخّمت فيها منغّصات العيش وضاق رحب الفرص واحتُكِرَت المناصب والمكاسب على فئات دون الأُخرى متأثرين كوطن يتحمّل فوق طاقاته من أعباء سببها الحروب والأوضاع السياسية المعقدة التي تعيشها الخريطة العربية
اتجه كثيرٌ من عامة الشعب والمراقبين والمختصين بالشؤون الاقتصادية والسياسية إلى أن ما يسمى إجماعاً عشائريا باحتكار الفرص والسيادة سبباً مباشراً ورئيساً في تراجع المشهد واحباط الشعب .
في حين أنّ المتمعّن بالمشهد بدقةً ستثبت له مقاييس مختلفة لا مجال لسردها .
ولا يخفى على أحد أنّ كثيراً من الإجماعات العشائرية قائمة وصادرة من وعن متطلبات ومصالح وشروط العشيرة نفسها رغم أنّ الإجماع يكون على عمل عام لخدمة المجتمع بأكمله لا العشيرة المُجمِعة مثل عضوية البرلمان أو رئاسة البلديات .
هنا لسنا بصدد اتهام الإجماع العشائري بقدر ما نحن مهتمين بقراءته
فكم إجماعاً مر ويمرُّ عبر تاريخنا على أشخاص ضعيفين غير مؤهلين .
وبذات الوقت هنالك إجماعات على أشخاص يشتد بهم ظهر المجتمع عامةً وأوتاد الوطن لكنها للأسف نادرة.
أما ونحن نعيش تجربةً حزبية عليها كثير وكثير جداً من التحفظات لكنها إذا أخذت وقتها ستكون معالجة أو مسكّنة لآلام الناس وهي غير منسلخة عن المجتمع بل تضم أبناء وبنات العشائر والقبائل بل هي وِحْدة اجتماعية وفكرية ربما تكون سفينة إنقاذ ما يمكن إنقاذه إذا لم تتناحر فيما بينها أو داخل الحزب الواحد على التفرّد بالمناصب والوجاهة والجباية غير المشروعة.
في نهاية المطاف إنّ من حق الوطن والمجتمع أن ترفد إجماعات عشائره رجالاً ونساء أقوياء على قدر عالي ٍجدّا ً من التمكن والأخلاق والسمعة والفصاحة الصادقة . ومن حقه أيضاً على الأحزاب أن تكون ذات قوى فكرية تقدِّم المصلحة العامة.
فلقد شبعنا تنظير وتصفيق لنوّاب خطابيّين يقنعون الناس بالكذب وحلاوة اللسان والاستعراض الفارغ على الشاشات
ولو كنت مكان الحكومة لفرضت امتحان ترشيح أُسوةً بامتحانات التوظيف للقدرات السياسية والتشريعية والمفاهيم الحزبية وحتى في أسلوب التعامل الاجتماعي والحوار بين الناس لكافة المرشحين قبل الترشح وقبل الانتخاب.
عندها سيُكَذِّب الماءُ الغطاس أو يثبت قدراتِه وصدقَه .