جنون الكرة بقلم ناديه نوري

56

 

المرفأ…استمعت بالصدفة إلى صوت معلق رياضي، وتعجبت من حماسه وصوته العالي وانفعالاته، وكأنه ينقل موقعة حربية! والأغرب من ذلك هو سماعي لصرخات وأصوات قادمة من الخارج، لمجموعة من الشباب أو ربما رجال كبار وهم يهتفون بصوت عالٍ تشجيعاً لإدخال هدف في شباك الفريق المنافس. كنت أظن أن الفريق القومي يلعب أمام فريق أجنبي، لكن المفاجأة كانت أن الفريقين محليان!

والأغرب أن المباراة انتهت، وامتلأت الشوارع بالمركبات، وصدحت منبهات السيارات في الأجواء ابتهاجاً بفوز الفريق المفضل لديهم. وازداد الأمر سوءًا بتكدس المرور، وزاد الطين بلة نزول مجموعة من الشباب يحملون أعلام الفريق الفائز ويرقصون في نهر الشارع غير مبالين بتعطيل حركة المرور!

أنا على يقين أن الكثيرين قد يغضبهم كلامي، وسيقولون لي: “نحن أفضل منكن أنتن النسوة اللواتي تتابعن مسلسلات وأفلامًا تافهة، وتبكين على أحداثها رغم معرفتكن أنها مجرد تمثيل وإخراج جيد، وتتسمرن أمام التلفاز وتفاعلن مع الأحداث وكأنكن تعشنها!”. أقول لكم: نعم، هذا يحدث في الكثير من البيوت، لكن متابعة بعض النساء لبعض المسلسلات والأفلام لا يضر أحداً ولا يخلق البغضاء بين أفراد الشعب الواحد كما تفعل كرة القدم.

لقد سمعت عن قصص أغرب من الخيال، كرجل طلق زوجته أم أولاده لأن الفريق الذي تشجعه قد فاز، بينما الفريق الذي يشجعه قد خسر. ورجل آخر عندما خسر فريقه، قام بحمل التلفاز وألقاه من شرفة منزله! وآخر يطلب من أطفاله الدعاء لفريقه، ويعدهم بأنه إن فاز سيجلب لهم الحلوى التي يحبونها، وإن خسر يفرض عليهم الصمت وعدم الخروج من غرفهم لأنه يعاني من الاكتئاب، وكأنه يصادر حقهم في تشجيع فريق غير فريقه!

والأغرب من كل ذلك أنني أجد البعض يشجع فريقاً أجنبياً ويعادي من يشجع خصم ذلك الفريق!

أنا لست ضد كرة القدم، ولست ضد من يشجع فريقاً معيناً. لكل منا هوايته المفضلة وهو حر في اختياراته، ولكن بمنطق وروية. لا للتعصب ولا للمبالغة، ولا لذهاب العقل والحكمة. مارس هوايتك المفضلة وشجع الفريق الذي اخترته، لكن تذكر أن هذه لعبة وضعت للتسلية والمرح وتقارب الشعوب وتبادل الثقافات، وليس إلا

قد يعجبك ايضا