ذكرى مولدي بقلم نادية نوري نادية نوري

387

 

المرفأ…اليوم قد يكون يومًا عاديًا بالنسبة للبعض، لكنه قد يمثل ذكرى خاصة أو حدثًا سعيدًا أو مؤلمًا لغيرهم. ربما يكون موعد زفاف أحدهم، أو انفصال آخر، أو ولادة جديدة، أو وفاة شخص عزيز. هكذا هي الأيام، تتغير مع الأحداث، لكنها جميعها أقدار ليس لنا فيها يد.

أما بالنسبة لي، فإن هذا اليوم هو ذكرى مولدي. وُلدت في يوم ممطر، لذا أطلقت عليّ جدتي – رحمها الله – اسم نادية. في طفولتي، كان هذا اليوم يمر عاديًا كباقي الأيام. لكن في شبابي، كنت أحتفل به برفقة صديقاتي. ومع تقدمي في العمر، توقفت عن الاحتفال به، حتى جاء دور أبنائي الذين جعلوا من هذا اليوم مناسبة خاصة لهم.

أبنائي يتسابقون للاحتفال بهذه المناسبة ويعتبرونها سعيدة، إذ يبدأون بالتحضير لها منذ بداية الشهر، رغم أن يوم ميلادي في نهايته. يتحدّون البرد والأمطار والمسافات، وبعضهم يقطن في محافظات أخرى، بل وحتى من يعيش خارج البلاد يبعث الهدايا. ناهيك عن بطاقات التهنئة عبر الإنترنت. ورغم اعتراضي على الاحتفال احترامًا لأرواح الشهداء، إلا أن سعادتهم تُسعدني. تجمع الأبناء والأحفاد في هذه المناسبة يملأ البيت بالفرح.

لا يسعني إلا أن أشكر الله على أن أكرمني بأبناء بارّين وأحفاد محبين. أرى فيهم برًّا قلّما أجده عند بعض الأبناء الذين يتجاهلون والديهم بحجج واهية، وكأن البر مرهون بكمال الوالدين. هنا أستحضر قول الله تعالى:
{وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا. إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولًا كريمًا. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا}.

الله تعالى لم يشترط صلاح الوالدين للإحسان إليهما، وكذلك رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قال: “رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد”. فالبر بالوالدين واجب على الإطلاق، دون قيد بصلاحهما.

لا أدعو هنا الأبناء للاحتفال بذكرى ميلاد والديهم، لكنني أذكّر بواجب البر طوال السنة، وليس في يوم بعينه. أحمد الله أنني حظيت ببر أبنائي طوال حياتي، وأعتبرهم كنزي وثروتي. لذلك، أتمنى السعادة لجميع الآباء والأمهات.

برّ الوالدين لا يكمن في الهدايا والاحتفالات فقط، بل في أن تكون قدوة صالحة، تجعل كل من يراك يدعو لمن ربّاك. والبر لا ينتهي بوفاة الوالدين، بل يستمر بالدعاء لهما، كما جاء في الحديث الشريف: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له”.

تذكّر دائمًا، عزيزي القارئ، أن والديك قدما لك كل ما بوسعهما، حتى وإن لم يحققوا لك كل ما تتمناه. واعلم أن ما تقدمه اليوم لوالديك، ستجده غدًا من أبنائك، بإذن الله.

قد يعجبك ايضا