خطورة اللقاء وأهمية المخرجات.. محمد حسن التل

588

المرفأ…

استطاع الملك عبدالله الثاني في لقائه مع الرئيس الأمريكي أمس في البيت الأبيض في ظل مراقبة العالم الذي تابع اللقاء باهتمام بالغ لمجيئه في لحظة حساسة كبيرة في التوقيت والموضوع، أن يرسخ الموقف بحق الفلسطينيين بأرضهم بعد أن تحول الصراع في جانب كبير منه إلى صراع وجود، بعد تطور المواقف وانحرافها نحو الدفع بتهجير أصحاب الأرض ، وأصر على رفض فكرة التهجير مؤكدا أن الفلسطينيين هم أصحاب الحق ، كذلك أن مصلحة الأردن فوق أي اعتبار حين قال أنه يعمل من أجل مصلحة وطنه وذلك بإشارة واضحة أن التهجير باتجاه الأردن يضر بسيادته ومصالحه، وفي إشارته إلى استقبال عمان لألفي طفل غزاوي للعلاج ، أكد الملك أن الدعم الأردني للفلسطينيين على الجانب الإنساني في معركة توازي المعركة السياسية المحتدمة في الدوائر الدولية التي رفضت بمجملها فكرة إخراج الفلسطينيين من أرضهم مستمر ..

اللقاء جاء في وقت غاية في الحساسية والدقة، الأمر الذي جعل الملك يمشي وكأنه في حقل ألغام، لكنه استطاع أن يستثمر اللقاء لصالح العقل والمنطق في حق الأشقاء الفلسطينيين بأرضهم وحياتهم التي لا بد أن تكون حياة كريمة تؤطرها فكرة التحرر والاستقلال، كما استطاع أن يحول بوصلة الرئيس الأمريكي في موضوع المساعدات عندما صرح الأخير أن الولايات المتحدة لن تهدد الأردن ومصر بالمساعدات بعد أن كان قد لوح في عدة تصريحات أنه ينوي ذلك، وهذا يعني أن الملك سخر قدرته في الحوار باتجاه التخفيف من حدة المواجهة السياسية، وحافظ على هذا المقطع.

كما كانت إشارته إلى أن أمر القضية شأن يخص العرب مجتمعين، ولا يحق لأحد أن يقرر وحده.

حمل الملك عبدالله الثاني الملف الفلسطيني منذ ربع قرن، واستطاع أن يضعه في بؤرة اهتمام العالم ونجح ببناء جدار قوي في مواجهة أطماع الإسرائيليين بجعل فلسطين دولة خالصة لليهود كما يريد اليمين المتطرف في تل أبيب.

من جانب آخر، نحن في الأردن أعيننا مفتوحة إضافة إلى ما يجري في غزة على ما تقوم به إسرائيل في الضفة الغربية، ذلك لقرب الجغرافيا وتداخل المصير في كثير من الجوانب، الواقع الذي جعل الإلتماس المباشر مع الأحداث هناك على مدار الساعة، لأن الأردن يدرك خطورة تنفيذ إسرائيل مخططها نحو تهجير المواطنين من الضفة، وما يقوم به الجيش الإسرائيلي منذ أسابيع يؤكد أن تل أبيب ماضية في مشروعها، الأمر الذي يجعل الصراع يتعمق ويزداد خطورة على الأرض بضوء الانعكاسات الخطيرة التي ستطول المنطقة بكاملها.

كان الملك أمس في البيت الأبيض يواجه موجة عالية من الإنحياز الإسرائيلي، لكنه استطاع المواجهة بحنكة سياسية جعلت سياسيين أمريكيين فاعلين كثر تبني وجهة نظره كما هو الحال في الإعلام الأمريكي، الذي كان يرقب اللقاء بعمق واهتمام كبيرين، رغم محاولات البعض خارج الحدود الأردنية تشويش الصورة، وخلق السواد والسلبية حول ما جرى في اللقاء التاريخي في البيت الأبيض ونتائجه ومخرجاته إلا أن العالم يدرك بوضوح ويفهم موقف الأردن مما يخطط له إزاء القضية الفلسطينية ، وموقفه الصلب لا يقبل المساومة أو التشكيك.

الحالة العربية كما قلت سابقًا تشهد تطورًا إيجابيًا لافتًا في الوقوف بوجه مخططات إسرائيل ودعم الجهود الأردنية بهذا الملف، لأنهم يدركون أنه المؤهل الأقوى نظرا لالتحامه مع الملف منذ عقود وصاحب مصداقية عالية على المستوى لوضوح موقفه عبر كل مراحل الصراع..

في النهاية لا يحق لأحد تحميل الأردن أكثر مما يجب لأننا أيضا لنا مصالحنا وملفاتنا وقضايانا..
*رئيس التحرير السابق لجريدة الدستور
ورئيس مجلس ادارة جريدة الرأي السابق

قد يعجبك ايضا