ليلة القدر بقلم: نادية إبراهيم نوري

488

 

المرفأ….كل الأشياء في بدايتها رائعة، ثم ما تلبث أن تخبو شيئًا فشيئًا. هذا طبع البشر؛ يفرحون بكل جديد ويتحمسون له، لكن مع مرور الوقت يتلاشى ذلك الحماس. هذا حال أغلبنا مع امتلاك بيت جديد، أو سيارة جديدة، أو حتى في بداية أي علاقة—سواء صداقة، أو جيرة، أو غير ذلك. حتى ملابسنا الجديدة، وهواياتنا الجديدة، لا تستثنى من هذا الأمر.

للأسف، تمتد هذه المشاعر والطباع إلى العبادات أيضًا! نجد معظم الناس ينتظرون قدوم شهر البركة والخير، شهر رمضان، منذ دخول شهر رجب، ثم شهر شعبان، يعدّون الأيام والليالي، وكل دعواتهم: “اللهم بلغنا رمضان، اللهم بلغنا ليلة القدر ومتعنا بفضلها.” البعض يرتب دعواته وأمنياته من الله سبحانه وتعالى لنفسه ولغيره، ولأحبائه، ولمن يهمه أمرهم، بينما ينشغل آخرون بالاستعداد للولائم وتحضير أشهى الأكلات. في بداية الشهر، تعج المساجد بالمصلين، وتكثر أحاديثهم عن ختم القرآن وفضله، والكثير يصطحب أطفاله ليعيشوا الأجواء الروحية لهذا الشهر الكريم.

لكن ما إن ينتصف الشهر حتى تخبو جذوة الحماس لدى كثيرين. نجد من ينشغل بالتجهيز لرحلة العيد، والتخطيط لكيفية قضائه ومع من، وآخرين يغرقون في التسوق لشراء ملابس العيد لأبنائهم. ناهيك عن النساء اللواتي يقضين ساعات رمضان المباركة في إعداد معجنات العيد، وهكذا ينسحب الحماس للشهر الكريم، وتتجه الأنظار إلى أيام العيد. لذلك، المساجد التي كانت تعج بالمصلين تصبح شبه خاوية، إلا من كبار السن الذين زهدوا في الدنيا، ولم يعد يشغلهم إلا لقاء الرحمن.

هذا طبع البشر، مع الأسف، لكن الله سبحانه وتعالى، وهو العليم بالنفس البشرية، جعل ليلة القدر—وهي خير من ألف شهر—في العشر الأواخر من رمضان. ذلك حتى يستمر الإنسان في العبادة، وينتصر على ضعفه البشري، ويحافظ على حماسه ولهفته حتى نهاية الشهر. بل إن بعض العلماء قالوا إنها قد تكون ليلة 29 من رمضان، وقد قال رسولنا الكريم ﷺ: “تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان.”

وطبعًا، سيد الخلق لا ينطق عن الهوى، بل هو وحي يوحى، وفي ذلك حكمة من رب العالمين، ليبقى الإنسان محفزًا للعبادة والدعاء طوال الشهر الكريم، وخاصة في العشر الأواخر.

بل إن بعض العلماء لاحظوا أن سورة القدر تتكون من ثلاثين كلمة، وعندما وضعوا أرقامًا تحت كل كلمة، وجدوا أن رقم 27تحت كلمة (هي )مما جعلهم يرجحون أن ليلة القدر هي ليلة 27.

لكن، بغض النظر عن التحديد الدقيق، ما علينا جميعًا إلا أن نخلص في العبادة طوال الشهر الكريم، ونلهج بالدعاء بيقين بالإجابة، مع الإكثار من الاستغفار والتسبيح في هذه الأيام المعدودات، عسى أن نفوز بنعيم الدنيا والآخرة.

قد يعجبك ايضا