بين غزة والأردن: كيف يتقاطع خطاب الإخوان مع الاستقرار الوطني؟
المرفأ…في ظل اشتداد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لم تكن المواقف السياسية في الأردن بمعزل عن التفاعل الشعبي والإعلامي. وقد كان واضحا للجميع مدى الاهتمام الملكي بضرورة وقف العدوان وإغاثة اهل غزة حتى انه شارك شخصيا بإنزال المساعدات في ظل الحصار القاتل، غير أن اللافت في هذا السياق هو الخطاب المتصاعد لجماعة الإخوان المسلمين، والذي تجاوز حدود التضامن الإنساني إلى محاولات متكررة لجر الداخل الأردني إلى مربعات التوتر والتحشيد السياسي وبالتالي تعريض الامن والسلم الأهلي للخطر.
جماعة الإخوان، التي لطالما اتسم خطابها بالازدواجية، عادت لتطرح نفسها من جديد كمدافع وحيد عن القضية الفلسطينية، مستثمرة بذلك حالة الغضب الشعبي من مشاهد القصف والدمار في غزة. غير أن هذا التجييش العاطفي لا يأتي من فراغ، بل يُوظّف ضمن أجندة قديمة تسعى من خلالها الجماعة لاستعادة حضورها في الشارع بعد انحسار نفوذها المؤسسي والسياسي خلال العقد الماضي.
في بياناتها وخطاباتها، تستخدم الجماعة مفردات لا تخلو من التحدي للدولة ومؤسساتها، وتلمّح إلى ضعف الموقف الرسمي أو “تخاذله”، بما يزرع بذور الشك بين المواطن والدولة، ويهدد التماسك الوطني في لحظة تتطلب أعلى درجات التنسيق والوعي وقد تم ترديد شعرات في اخر وقفة لهم امام مسجد عباد الرحمن حينما رددوا الجيش العربي وين وهذا مستغرب في ظل هذه الظروف عندما تم الزج بالمؤسسة العسكرية في هتافاتهم.
ليس من المبالغة القول إن الجماعة تنظر إلى كل حدث إقليمي بوصفه فرصة لإعادة التموضع الداخلي. وقد ظهر ذلك جليًا في محاولاتها تنظيم الفعاليات والتحركات الشعبية، التي لا تخلُ من شعارات مبطنة برسائل سياسية تتجاوز التضامن مع غزة، لتصل إلى الطعن في النهج الوطني، واستثارة الغضب الشعبي تجاه سياسات الدولة.
إن ثبات الموقف الأردني الرسمي، الداعم للقضية الفلسطينية والداعي لوقف العدوان ورفع الحصار، لم يشفع له في نظر الجماعة التي تسعى إلى رسم صورة سوداء تضع الأردن في خانة “الصمت”، وهي صورة مجحفة ومضللة، تُستخدم فقط لغايات الاستقطاب والتجييش وهذا سلوك تعودنا في كل الاحداث والمناسبات المماثلة فهي تجارة رابحة تزيد من الرصيد الجماهيري للإخوان.
إن التعامل مع المأساة الإنسانية في غزة يجب أن يكون على أسس وطنية وإنسانية لا حزبية أو أيديولوجية. فاللحظة تستدعي وحدة الموقف الأردني، لا استغلالها في تصفية الحسابات السياسية. ومن هنا على الدولة الظهور بخطاب قوي يبدد كل الشكوك التي يثيرها هؤلاء وتقديم المصلحة الوطنية والحفاظ على الامن الوطني كأولوية ثابته لا يمكن المساس بها.
– د.قاسم العمرو