فلسطين قضية يعيشها الأردنيون -من كل الأصول والمنابت- بكل جوارحهم طلال أبوغزاله

380

المرفأ….كل حديث عن “الخيار الأردني” و”الوطن البديل” محاولة يآسة بائسة مريضة لبثّ الفتنة، فالدولة الأردنية – قيادةً وشعبًا – أوضحت أن هذا خط أحمر، وإذن لا حاجة هنا لتكرار الشعارات، لأن الواقع هو الشعار الحقيقي: من وقف في وجه صفقة القرن، من رفض تصفية القضية الفلسطينية رغم كل الضغوط، من لا يزال يفتح حدوده للمساعدة، الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين المعظم.
وعليه فليطمئن كل من يقلق على الأردن من “خطر اللاجئين الفلسطينيين”، لأن الخطر الحقيقي ليس اللاجئ، بل من يريد تجريد اللاجئ من هويته، والأردن العظيم من ثوابته، فمؤخرًا نشرت مجلة فورين أفيرز الأميركية مقالا يحذر من أن حرب غزة قد تتحول إلى أزمة وجودية تهدد الأردن، وفيه تلميح إلى أن استقبال اللاجئين الفلسطينيين يمكن أن يخلخل التوازن الداخلي في المملكة، ويُعيد إلى الواجهة ما يُعرف بـ “خيار الوطن البديل”.
وللوهلة الأولى، يبدو الحديث محكمًا ومدعومًا بتحليل سياسي بارد، لكن من يعيش في الأردن، ويعرف تفاصيل الشارع، ويستمع لنبض الناس، يعلم جيدًا أن هذا الكلام بعيد كل البعد عن الواقع، بل ويتعمّد تجاهل حقيقة واضحة: أن فلسطين ليست مشكلة للأردن، بل قضية يعيشها الأردنيون بكل جوارحهم، من كل الأصول، وبلا استثناء.
كما أن من يُروّج لفكرة وجود “صراع داخلي صامت” بين الأردنيين من شتى الأصول والمنابت لا يعرف شيئًا عن الأردن، سواء بسواء في الشارع، في الجامعات، في المظاهرات، وفي صفوف الجيش… لا ترى إلا وحدة الموقف: القدس خط أحمر، وغزة دمنا، وفلسطين قضيتنا المركزية.
إذن التفرقة بين شرق وغرب النهر لا وجود لها إلا في تقارير تتمنى انهيار الأردن أكثر مما تحلله، فالأردنيون، بمختلف جذورهم، يعرفون أن من يحتل فلسطين هو ذاته الذي يهدد أمن الأردن، وأن من يُقتل في غزة، هو ابن عمّ من يُصلّي في الكرك أو السلط أو إربد.
من يروّجون لفكرة أن الاردنيين يعارضون وجود الفلسطينيين في البلد، يكررون نفس السردية القديمة التي استخدمتها أطراف صهيونية لتقسيم الصف الأردني، وهي سردية فشلت وستفشل دائمًا، فمن قاتل في اللطرون وباب الواد لم يكن يسأل عن أصل المقاتل بجانبه، بل عن صدقه في الدفاع عن الأرض والعِرض، ومن يواجه اليوم تهديدات التوطين القسري لا يرى فيها خطرًا ديموغرافيًا، بل اعتداءً على قضية عادلة يسندها الأردنيون منذ البداية.
أما حديث المجلة عن غضب واشنطن وانزعاج إسرائيل، فذلك لا يخيف من تعوّد أن يقول “لا” في وجه الضغوط ولنا في كل موقف لجلالة الملك شاهد ودليل، والولايات المتحدة تغيّر موقفها مع تغيّر الرؤساء، بينما الأردن ثابت في رفضه لأي مشروع يُصفّي القضية الفلسطينية على حسابه أو حساب غيره، أما الكيان فمنذ متى أراد الخير لأحد في هذه المنطقة أصلًا؟ كيان لا يعرف إلا الاحتلال والعدوان لا يؤتمن على سلام ولا يُحترم غضبه.
منذ سنوات، والأردن يقف في وجه كل مشاريع تصفية القضية: رفض صفقة القرن، تمسّك بالوصاية على المقدسات، وإصرار على إقامة دولة فلسطينية على أرضها، لا على حساب أحد، والأردنيون – كهم بلا استثناء– يقولون بصوت واحد: لا للتوطين، لا للوطن البديل، نعم لفلسطين على ترابها الوطني.

الأردن ليس هشًّا كما يصوّره البعض، بل صلب بتماسكه الداخلي، بقيادته، وبشعبه، وإن كان لا يمتلك موارد وفيرة، فهو يملك ما هو أثمن: كرامة وعزيمة لا تُشترى، فهذا البلد لم يتعب، ولن يتعب، لأنه ببساطة لا تنحي فيه الجباه إلا لله الواحد القهار.

قد يعجبك ايضا