بين الخوف والحذر… عندما تتحوّل اللحظات العادية إلى دروس في الحياة بقلم: نادية إبراهيم نوري

319

 

المرفأ..في إحدى الرحلات الداخلية، وبينما كنت جالسة في شرفة فندق يطل على ضفاف النيل، خطفت أنظاري مجموعة من الشباب يتسلقون سلمًا خشبيًا متهالكًا، بلا أسوار أو حواجز، يحاولون النزول إلى النهر. لم أعرف إن كانت نيتهم السباحة أم التقاط الصور، لكن ما جذبني أكثر من المشهد الطبيعي الخلاب هو مشهد إنساني عميق.

رفيقهم كان خائفًا، مترددًا، متشبثًا بأحدهم كما لو كان لا يرى، بينما أصرّ أصدقاؤه على اصطحابه معهم.
كان بإمكانهم قضاء وقتهم دونه، لكنهم أرادوا له أن يكون جزءًا من اللحظة. مشهد بسيط، لكنه اختصر الكثير: عن الصداقة، عن الدعم، وعن محاولة دفع من نحبهم لتجاوز مخاوفهم.

التربية تصنع الفرق

ما أثار تفكيري أن هؤلاء الشباب جميعهم في عمر متقارب، لكن أحدهم كان جَسورًا وآخر خائفًا. وهنا تكمن قوة التربية. فهناك آباء يزرعون الشجاعة في نفوس أبنائهم، ويعلمونهم الثقة بالنفس، بينما يخلق الإفراط في الحماية جيلاً هشًا لا يعرف كيف يواجه الحياة.

الحذر مطلوب، لكن الخوف المبالغ فيه قد يتحول إلى عائق في طريق الإنسان.

موقف آخر… حكمة طفل

بعد دقائق، شاهدت طفلين، يبدو أن أحدهما في العاشرة والثاني في السادسة. كان الأكبر يحاول إقناع الصغير بالنزول إلى النهر، لكن الصغير أصرّ على رفضه رغم كل محاولات الإقناع. وكم أعجبني ثباته! فحتى وإن بدا صغيرًا في السن، إلا أنه كان حكيمًا ومدركًا لخطر المجازفة، خاصة في ساعة مبكرة من الفجر، حيث لا أحد حولهم ليساعد إن حدث مكروه.

التوازن هو مفتاح السلامة

من الجميل أن نستكشف العالم من حولنا، وأن نعيش المغامرة. لكن الأجمل أن نعرف حدود قدراتنا، ونراعي أعمارنا وأجسادنا.
أتذكّر أحد كبار السن –في السبعين من عمره– كان يحافظ على لياقته، وفي جلسة عائلية راح ينافس أحفاده في الحركات الرياضية، متناسيًا آلام المفاصل والعظام. انتهت ليلته بين المسكنات والمراهم!

وهنا تحضرني الآية الكريمة:
“ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة” – (البقرة: 195)

الخوف قد يكون ظلًا من الماضي

تذكّرت أيضًا شابة في ريعان شبابها، كانت تخاف من الأنهار والبحار، بسبب تجربة غرق عاشتها في طفولتها. حرمت نفسها لسنوات من متعة الرحلات المائية، حتى جاء اليوم الذي أقنعها زوجها بخوض مغامرة بسيطة على النهر. تغلبت على مخاوفها، وعاشت لحظات من السعادة، وتمنّت لو أنها تجاوزت خوفها من قبل.

وصدق الشاعر أبو القاسم الشابي حين قال :

نعم، من يتهيب صعود الجبال،
يعيش أبد الدهر بين الحفر.

خلاصة القول…

بين الشجاعة والتهوّر، شعرة.
وبين الحذر والجبن، مسافة يحددها الوعي.
فليكن اعتدالنا في كل شيء هو طريقنا للحياة المتزنة، ولتنشئة جيل يعرف كيف يواجه، وكيف يحمي نفسه في آنٍ واحد

قد يعجبك ايضا