الدكتور عبد الناصر الخصاونة يكتب..حكومة بلا اتجاه… والتردد سياسة، والرؤية معدومة!
المرفأ…في وقتٍ يحتاج فيه الأردن إلى حكومة تمتلك الجرأة في اتخاذ القرار، والقدرة على العمل، والرؤية الواضحة للمستقبل، نجد أنفسنا أمام فريق حكومي يُمعن في التردد، ويغرق في التفاصيل، ويبتعد عن أولويات المواطن والاقتصاد الوطني.
لقد بذل مجلس النواب، منذ اليوم الأول، كل جهد ممكن لبناء علاقة تكامل وتنسيق مع الحكومة، إيمانًا منّا بأن المصلحة العامة يجب أن تكون البوصلة الحقيقية التي تنظم العلاقة بين السلطتين. ومع ذلك، لم نجد في المقابل سوى برودٍ رسمي، وتعاملٍ فاتر، وغيابٍ واضح لأي نية صادقة للتعاون أو الإنجاز. فأصبحت القضايا الخدمية عناوين للخذلان، وعلى رأسها ملف التأمين الصحي الذي لا يزال يراوح مكانه بسبب عجز الحكومة عن اتخاذ خطوات حاسمة، في الوقت الذي أصبح فيه المواطن الأردني يئن من واقع صحي مأزوم. وكان الملاذ الآمن فيه الإعفاءات الطبية التي تحوّلت من حق إنساني إلى معاناة بيروقراطية. فالمواطن البسيط، الذي لا يستطيع تحمّل تكاليف العلاج، يجد نفسه بين شروط عديدة، ولجان طبية، وكتب رسمية، وانتظار مرهق، للحصول على إعفاء يعيد له الأمل بالحياة. وهذا الملف، بتعقيداته، وتأخيره، وغياب العدالة في توزيعه، هو صورة أخرى لفشل الإدارة الحكومية وعجزها عن فهم أولويات الناس واحتياجاتهم الأساسية. أما ملف الاستثمار، الذي يُفترض أن يكون ركيزة الاقتصاد ومحرك النمو، لم يسلم من الفوضى والتباطؤ. ففشلت الحكومة في تقديم بيئة جاذبة حقيقية. ترسخت فيها البيروقراطية، وغياب الحوافز، وتعقيدات الإجراءات، مما دفع رؤوس الأموال إلى الفرار، في وقت كنا نحتاج فيه لكل فرصة عمل، ولكل دينار يدخل الاقتصاد الوطني.
وما يُضاعف من حجم الإخفاق هو أن التباطؤ والمراوحة ظلّتا هما السائدتين على الأداء طيلة الشهور الماضية؛ فلا قرارات جوهرية، ولا تحرّك فعلي نحو الإصلاح، ولا حتى بوادر تغيير ملموس في طريقة التعاطي مع هموم الناس ومطالبهم. سوى في الملف الأمني، وهذا إنجاز يُنسب بجدارة للأجهزة الأمنية التي نثق بكفاءتها وإخلاصها، وليس للفريق الوزاري الذي لم يقدم شيئًا يُذكر سوى الكلام، والمزيد من التبريرات. فأصبحت الحكومة تمضي وكأن الزمن لا يعنيها، وكأن معظم القضايا لا تستدعي استجابة عاجلة ومسؤولة. ما أوصل التعاون الحكومي مع مجلس النواب إلى أدنى مستوياته. فأغلق الوزراء والأمناء العامون مكاتبهم في وجه النواب، وتجاهلوا دعوات اللقاء، وكأنهم في عالمٍ موازٍ لا يدرك طبيعة عملهم السياسي والإداري. هذا السلوك غير المسؤول يعكس نظرة استعلائية لممثلي الشعب، ويفضح خللًا عميقًا في فهم الحكومة لدورها كشريك، لا كسلطة منفصلة. فأصبحنا أمام حكومة تعيش على هامش اللحظة، تتردد في كل قرار، وتتقاعس في كل ملف، وتبدو عاجزة عن فهم معنى أن تكون في موقع السلطة التنفيذية. وزراء متلكئون، أداء باهت، وغياب كامل للرؤية الاستراتيجية.
إن استمرار هذا النهج لن يؤدي سوى إلى مزيد من التراجع، ومزيد من الفجوة بين المواطن والحكومة. ونحن، كنواب شعب، لن نقف متفرجين، ولن نقبل أن يُحمَّل المواطن نتائج هذا الفشل. ولقد آن الأوان لأن تقول الحكومة الحقيقة لنفسها أولًا، وأن تتحمل مسؤولياتها بشجاعة، وإلا فلتفسح الطريق لمن هو أكثر كفاءة وقدرة على الإنقاذ.