ناديه نوري تكتب… القلوب التي تعقل: بين العلم الحديث وإعجاز القرآن الكريم
المرفأ…في رحلة تأمل وتأمل عبر مشاهداتي وقراءاتي الأخيرة، توقفت كثيرًا أمام فكرة مذهلة: هل يمكن للقلب أن يكون أكثر من مجرد مضخة تضخ الدم؟ هل يحمل القلب ذاكرة؟ شعورًا؟ عقلًا؟
شاهدت فيلمًا كوميديًا بعنوان “قلب أمه” يحكي قصة مجرم يتعرض لحادثة تضطر الأطباء إلى زراعة قلب امرأة بداخله. فجأة، يتحول سلوكه من الإجرام إلى الحنان، وكأنه ورث عن قلبها صفاتها ومشاعرها. ظننت للوهلة الأولى أن الأمر لا يعدو عن كونه حبكة درامية مبالغًا فيها، حتى قادني الفضول لمزيد من البحث.
و صادفت محاضرة ألقتها السيدة رند الفايد في أستراليا، تناولت فيها كتابًا بعنوان “كيف تصبح خارقًا” للدكتور جو ديسبنزا، الذي وثق قصصًا حقيقية لأشخاص خضعوا لعمليات زراعة قلب. من بين هذه القصص قصة سيدة في الأربعينيات اكتسبت عادات جديدة متعلقة بالمتبرع الشاب الذي أخذت قلبه، وأخرى لطفلة صغيرة كانت تطاردها كوابيس عن جريمة قتل، لتكتشف الشرطة لاحقًا أن الكوابيس كانت توثيقًا لجريمة مقتل المتبرعة بقلبها.
هنا بدأ السؤال يكبر داخلي:
هل القلب بالفعل يحتفظ بالذكريات؟
في عام 1991، أحدث اكتشاف علمي ضجة كبيرة، حيث أعلن مجموعة من العلماء اكتشاف شبكة عصبية داخل قلب الإنسان تحتوي على أكثر من 40,000 خلية عصبية حسية، قادرة على الإحساس والتذكر، والتفكير بشكل مستقل عن الدماغ.
هذا الاكتشاف دحض الفكرة التقليدية التي اختزلت التفكير والذاكرة في الدماغ فقط، وأثبت أن القلب له دور أكبر وأعمق مما كنا نظن.
ولم تقف الحقائق عند هذا الحد، فقد قرأت أيضًا قصصًا لأناس من ثقافات مختلفة تحدثوا عن تغيرات مذهلة بعد عمليات زراعة القلب: تغييرات في الأذواق، السلوكيات، والقدرات اللغوية، مثل سيدة بدأت تتحدث الصينية رغم أنها لم تتعلمها يومًا، لتكتشف أن المتبرع بقلبه كان صينيًا!
وهنا، وبين دهشتي وتأملي، وجدت نور الإجابة في القرآن الكريم:
قال الله تعالى:
{أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها}
[سورة الحج، آية 46].
إنها آية عظيمة مرت علينا مرارًا، لكن قليلًا ما توقفنا عند عمقها؛ الله سبحانه يخبرنا أن القلب يعقل ويفكر، وهو ما يؤكده اليوم العلم الحديث بعد قرون من الجهل بوظائف القلب الحقيقية.
ولم يتركنا القرآن دون تذكير بقيمة العلم، فقال تعالى:
{إنما يخشى الله من عباده العلماء}
[سورة فاطر، آية 28].
فالعلماء، بفهمهم العميق ودراستهم، هم الأكثر إدراكًا لعظمة الخالق، والأكثر خشية له، لأنهم يرون بعيون العلم آياته في أنفسهم وفي الكون من حولهم.
ونختم مقالنا بأن العلم الحديث لا يزيد القرآن إلا تصديقًا، ولا يكشف إلا عن بعض مما أخبر به الله قبل أكثر من أربعة عشر قرنًا.
علينا أن نقرأ القرآن بتدبر، وأن نبحث ونتفكر ونتأمل، فكل حرف فيه كنز من المعاني العميقة التي لا تنضب.
ولو فعلنا، لسبقنا العالم كله علمًا وحضارة، كما سبقنا إيمانًا ويقينًا