ماذا بعد اختبارات الثانوية العامة ؟ رسالة إلى الآباء بقلم دكتوره فاطمة الزهراء محمود

524

المرفأ…تشهد العديد من الدول العربية الآن اختبارات الثانوية العامة للأبناء من الجنسين ، ويترقب الجميع لحظة بلحظة الاختبارات ،ومدى استجابة أبنائنا الطلاب لها ، وغيرها من الأمور التي تحدث كل عام في نفس التوقيت ، وغالباً نفس مشاهد الفرح والحزن والصدمة مع كل اختبار باختلاف الأنماط الشخصية للطلاب وثقافتهم البيئية .
والسؤال الذى يفرض نفسه ماذا بعد مارثون أو اختبارات الثانوية العامة ؟
رسالتى ليست للطالب أو الطالبة الذين يؤدون اختبارات الثانوية العامة ، ولكن رسالتى إلى آبائهم وأولياء أمورهم .إنها رسالة شكر وتقدير واجلال واحترام للآباء الذين يقدرون البُعد النفسى للأبناء قبل، وأثناء، وبعد الاختبارات .
رسالة امتنان لأولياء الأمور الذين لا يضغطون على أبنائهم وبناتهن من أجل الاستذكار ومن أجل الحصول على مجموع كبير في الثانوية العامة ، رسالة لكل أب وكل أم وكل ولى أمر يرعى طالب أو طالبة في الثانوية العامة شكراً لحرصكم الدائم على توفير بيئة آمنة ،ومستقرة أشبه بالعادية والمعتادة في كل منزل قبل وجود الثانوية العامة وأثنائها وبعدها .
شكراً لأنكم لم تتوقف حياتكم المعتادة ونمط حياتكم من أجل الثانوية العامة أوإشاعة جو الخوف والرهبة والقلق في نفوس أبنائكم وبناتكم .
تقديرى لهذا الوعى والإدراك بأن مرحلة الثانوية العامة ليست هي المصير ،وليست هي طوق النجاة من أجل البقاء على قيد الحياة ، بل هي مرحلة مثل باقى مراحل وسنوات التعلم ، وستأتى مراحل كثيرة تالية عليها تتطلب اثبات الوجو والتفوق العملى وليس الذهنى فحسب.
تقديرى لأولياء الأمور الذين وفروا جو من السعادة والطمأنينة والراحة لأبنائهم ،وتحدثوا إليهم بكل هدوء واتزان لا يخلو من الحكمة والخبرة وقالوا لهم أنتم أسياد قراركم ، وأنتم تخطون مستقبلكم بأنفسكم والنجاح والفلاح لكم أياً كان المجموع أو الدرجات والتقديرات ، وأياً كانت النتيجة فالمحاولات لازالت موجودة والحياة لم ولن تتوقف ، والمسارات متعددة وكثيرة ، وقدراتكم إذا لم تؤهلكم لمسار الثانوية العامة ،والسباق على الدرجات والتقديرات والمجموع ، فهناك مسارات أخرى داخل الدولة يمكن اشباع احتياجاتكم التعليمية من خلالها .
رسالة امتنان وتقدير لأولياء الأمور هؤلاء الذين بعد انقضاء اختبارات الثانوية العامة تحدثوا إلى أبنائهم في أمور حياتية واجتماعية ،وذهبوا للتنزه والسفر للراحة والرفاهية أو عمل أشياء مفيدة دون ترقب لنتائج الاختبارات أو إشاعة قلق ورهبة وخوف في المنزل بعد الانتهاء من امتحانات الثانوية العامة وتمضية ساعات وأيام في رعب وقلق وتخويف أبنائهم في انتظار درجات المصير أو نتيجة الثانوية العامة .
شكراً لكل أم وكل أب وكل ولى أمر لم يفعل كل تلك الأمور السلبية في محاولات للقضاء التدريجى على البناء النفسى والجسدى لأبنائهم بهذا الرعب والخوف المميت حقاً .
تقديرى لكل ولى أمر استطاع أن يفلت من أزمة الثقة بينه وبين ابنه أو بنته ، واستطاع احتواء ابنه أو بنته في مرحلة هم في أمس الحاجة إلى الرعاية والاحتواء بلا خوف أو تهديد أو قلق أو رعب .
امتنانى لكل أب وأم وولى أمر واعيين ،ومدركين أن كل الجامعات والكليات والمعاهد وأماكن التعلم تصنع مواطنين من أجل خدمة الدولة والمجتمع ، والتفوق في الثانوية العامة ،ودخول كليات بعينها ليس هو المحك في العمل أو اكتساب مهارات من أجل العمل، والإنجاز الحقيقى على أرض الواقع .
فحياة العمل بحاجة إلى مهارات كثيرة تعليمية ،وتكنولوجية واجتماعية وثقافية وإنسانية وجرأة ، وقيادة ومرونة وغيرها من المهارات التي تشكل حزمة المواطن المتميز ،والقادر على العمل في عالم شديد التعقد والتميز .
وسيأتى قريباً اليوم الذى يجلس فيه أولياء الأمور في منازلهم أو أعمالهم بكل راحة واطمئنان ، ويسألون أبنائهم عن اختبارات الثانوية العامة مثلما يسألونهم عن الاختبارات الشهرية أو الصفية أو اختبارات تعلم القيادة أو تعلم مهارة الحاسب الآلى أو تعلم البرمجة .
سيصبح في القريب العاجل مع تغير نمط التفكير السلبى والتقليدى تجاه اختبارات الثانوية العامة والمرحلة برمتها ، لتصبح مرحلة بداية لمراحل كثيرة قادمة أكثر دقة ،وأكثر طلباً لمهارات عملية ،وجدارات كثيرة مثل اتقان اللغات ، والتعامل في سياقات محلية وعالمية ، والقدرة على التصرف بحنكة ، وإنجاز المهام في وقت قصير بأعلى كفاءة ودقة ، وغيرها من المهارات والجدارات التي لا يمكن تعلمها في جو يسوده الخوف والقلق على الدرجات والتصور الذهنى التقليدي أن الثانوية العامة هي مصير الإنسان وبقاءه في مكانة أرقى .
رسالة شكر حقاً للإدراك والوعى لأولياء الأمور الذين يعرفون حق المعرفة أن الإنسان كل يوم في اختبار ،وكل يوم يتعلم مهارات جديدة ، ولا معنى للنجاح دون محاولات وتكرارات واخفاقات ، حقيقةَ شكراً لإدراك فلسفة ومعنى الحياة ونقلها إلى أبنائكم وبناتكم أعز ما تملكون على وجه الأرض.
[email protected]

 

بقلم دكتوره فاطمة الزهراء سالم محمود
أستاذ أصول التربية
كلية التربية –جامعة عين شمس


 

قد يعجبك ايضا