ما الحقيقة ؟! بقلم :الدكتورة إيناس المغاوري

420

 

المرفأ…إذا أردت أن تصل إلى الحقيقة ، فيجب أن تنسى كل الحقائق التي وصل إليها الآخرون ، الحقيقة مسافة لا تتجاوز أربعة أصابع بين السامع والدامع ، قد يُهان فيها الحُرّ الشريف ، ويُرفع فيها من شأنِ الذليل الخانع ، يُخنق فيها صوت الله ، ويصدّح فيها صوت المخادع .
الحقيقة عندما تمرّ الجنازة يقف المارة بخشوع ، يكف الأطفال عن اللعب ، يسترجع ويُحَوقِل الكبار في السن ، بينّما الميت تحت الكفن يَسُدُّ أنفهُ لكي لا تصله رائحة الأحياء .
الحقيقة أن تمرّ عليك أيّام العمر كقطارٍ بطيء الحركة ، مُحمّل بكل بضائع الدنيا الفانية ، يغلق الطريق بوجهك ولا تنتهي عرباته الطويلة ، فلا أنت تستطيعُ العبور ولا هو يحملك إلى نقطة أبعد ، وكأنّك تراقب تَفَلُت العمر كتفلّت الماء من بين الأصابع، تبحر مع الموجة العالية من حبّ الدنيا، والناس من حولك بين حيّ وميّتٍ، سائر للنور وتائهٍ في الظلمات ، حتى تستنزف أيّامك بحلوّها ومرّها ، فتغدو كتُربة قد أصابها الجفاف فتشقَّقت وقاربت حدّ البوار
الحقيقة أن تستيقظ من النوم وتجد عاصفةً هوجاء من ثَلجٍ أَبيض تَندس بين ظَلماء خصلاتك ، وتقول لك : ها هو ذا شَعرك الذي غَار مِنهُ الليل لِشدةِ ظُلمتهِ باتَ أَبلقاً.
الحقيقة أن تجد نفسك وحيداً، تبكي بلا عيون ، وتضحك بلا شفاه، تمرض بلا طبيب ، تموت بلا جنازة ، وتُشّيع بلا صديق ، تُدفن بلا كفن ، وتصبح غريباً بلا عمل…. الحقيقة دائماً مُرة لكن السكر سام جداً ناعم كالزيف. لكنك لا تعرف بسُميته.

قد يعجبك ايضا