البكم الأزرق على المدرج الجنوبي.. (الله يهديك يا أخ عبدالهادي راجي)

901

  كتب عبد الهادي راجي المجالي
المرفأ…أول أمس، شاهدت انفعال الرئيس في جرش وهو يرد ربما على سؤال من أحدهم حول مهرجان جرش، الرجل كان محتداً ومتحدياً.. وأظن أنه وجه رسالة للإسلاميين، حول قضية تطرح وهي: كيف نقيم طقسا للرقص والغناء، ودماء أطفال غزة تسفك؟
أنا سأجيب، نيابة عن الفرح ذاته، لا نيابة عن الحكومة ولا عن الرئيس ولا عن أحد..
حين نتحث عن الإسلاميين في مصر ، نقول أن هناك إسلاما سياسيا بالمعنى الحقيقي، وحين نتحدث عن الإسلاميين في تونس فمن الممكن أن نقول أنهم حاولوا أن يقدموا الجماعة في إطار تنويري ، وحين نتحدث عن حسن الترابي في السودان فعلينا أن نقف مطولا عند طروحات مفكر غرد خارج سياق الحديث ووصل حد النظرية …
لكن حين نتحدث عن الإسلاميين في الأردن ، فعلينا أن نحزن وأن نبكي قليلا وأن نعاتب الدولة في ذات الإطار …وأن نتذكر مقولة لمسن كركي وهي : ( اتمسد لحى واتطبح جوامع) .
الخطاب الإسلامي في الأردن – وخذ جرش نموذجا- هو خطاب خال من المعرفة ، هو عبء على الإسلام ، وعبء على الوعي الوطني …نحن للان لم نستطع في الأردن أن ننتج منظرا إسلاميا بالمعنى الحقيقي ، مصر مثلا حين تقرأ حقبة الهضيبي وصراعه مع سيد قطب ، تكتشف أنه صراع أيدلوجيا ونظريات ..وحين تقرأ كتاب (ثروت الخرباوي – سر المعبد) تكتشف أن الإنقلابات داخل الحركة هي انقلابا ت ايدلوجية فكرية وليست انقلابات جمعيات وقواشين وحصص أراضي ..
خذ تونس مثلا ، خذ راشد الغنوشي الذي أمضى العشر سنوات الأخيرة من حياته وهو يدافع عن (ابن تيمية) ، وتشعر أحيانا أنه وصل إلى مرحلة من الليبرالية الإسلامية التي يصنف فيها بن تيمية بأنه مفكر لم يتناقض في طروحاته مع الدولة المدنية ، للعلم راشد الغنوشي قدم للمكتبة العربية والعالمية (25) مؤلفا كلها ، تصلح لأن تكون مناهج جامعية .
خيرت الشاطر ، أحد عتاة (الإسلاميين) في مصر ، كتب مقالا في الغارديان البريطانية تحت عنوان (لاتخافوا منا) ، شكل بابا لفتح حوار مع كامل أجهزة المخابرات الغربية ، وكأنه كان يمهد لما سيحدث في مصر مستقبلا .
مع ذلك سقطت كل هذه النماذج في العالم العربي لسبب بسيط وهو : راديكالية الحركات الإسلامية حين تصل للسلطة ، والأخطر محاولتها أسلمة المجتمعات ، ففي مصر مثلا تم الانقضاض على مجتمع النخبة ، حاولوا محاكمة عادل إمام ، وحاولوا إلغاء دار الإوبرا ، عدم فهمم لمزاج الشارع ومكوناته ، وانغلاقهم ربما كان سببا في سقوطهم المرير ، ذاك أن السلطة تحولهم من حالة إلى أخرى ملتبسة وغير مفهومة وخطرة في ذات الوقت
لنعد إلى الأردن ، ولنسأل القيادات الإسلامية هنا ، هل شاهدتم راشد الغنوشي في تونس يصف مهرجان قرطاج بأنه مجون وترف ، ويطالب بإلغائه …لنعد إلى مصر لنعد إلى جذر الإخوان سيد قطب ، هل تستطيعون إنكار كتاب الشاطيء المجهول على سيد قطب ، وهو للعلم ديوان شعر..هل تستطيعون أن تنكروا على سيد قطب إصداره لكتاب قصص للأطفال بعنوان : (كتكت المدهش) ..وهل تستطيعون إنكار قصائد الغزل التي كتبها في ديوان الأشواك؟
الإسلاميون في الأردن إنتاجهم هو: الجمعيات ، القواشين ، التبرعات ، الشركات ، محاربة الربا ، الأناشيد التي تشيد بالجهاد ، استطاعوا عبر جمعية المركز الإسلامي أن يتخطوا حاجز المليار ، لكن أحدا فيهم لم يستطع أن يقدم مؤلفا في الإسلام السياسي ، أو أن يقدم محاضرة في جامعة أوكسفورد يتحدث فيها عن (الإسلاموفوبيا) ..أو على الأقل ، أن يصل لمرحلة منظر للحركة .

البكم الأزرق على المدرج الجنوبي.. (الله يهديك يا أخ عبدالهادي راجي)

مدار الساعة,أخبار الأردن,اخبار الاردن,أخبار ثقافية

مدار الساعة ـ 
حجم الخط  
مدار الساعة – كتب عبد الهادي راجي المجالي
أول أمس، شاهدت انفعال الرئيس في جرش وهو يرد ربما على سؤال من أحدهم حول مهرجان جرش، الرجل كان محتداً ومتحدياً.. وأظن أنه وجه رسالة للإسلاميين، حول قضية تطرح وهي: كيف نقيم طقسا للرقص والغناء، ودماء أطفال غزة تسفك؟
أنا سأجيب، نيابة عن الفرح ذاته، لا نيابة عن الحكومة ولا عن الرئيس ولا عن أحد..
حين نتحث عن الإسلاميين في مصر ، نقول أن هناك إسلاما سياسيا بالمعنى الحقيقي، وحين نتحدث عن الإسلاميين في تونس فمن الممكن أن نقول أنهم حاولوا أن يقدموا الجماعة في إطار تنويري ، وحين نتحدث عن حسن الترابي في السودان فعلينا أن نقف مطولا عند طروحات مفكر غرد خارج سياق الحديث ووصل حد النظرية …
لكن حين نتحدث عن الإسلاميين في الأردن ، فعلينا أن نحزن وأن نبكي قليلا وأن نعاتب الدولة في ذات الإطار …وأن نتذكر مقولة لمسن كركي وهي : ( اتمسد لحى واتطبح جوامع) .
الخطاب الإسلامي في الأردن – وخذ جرش نموذجا- هو خطاب خال من المعرفة ، هو عبء على الإسلام ، وعبء على الوعي الوطني …نحن للان لم نستطع في الأردن أن ننتج منظرا إسلاميا بالمعنى الحقيقي ، مصر مثلا حين تقرأ حقبة الهضيبي وصراعه مع سيد قطب ، تكتشف أنه صراع أيدلوجيا ونظريات ..وحين تقرأ كتاب (ثروت الخرباوي – سر المعبد) تكتشف أن الإنقلابات داخل الحركة هي انقلابا ت ايدلوجية فكرية وليست انقلابات جمعيات وقواشين وحصص أراضي ..
خذ تونس مثلا ، خذ راشد الغنوشي الذي أمضى العشر سنوات الأخيرة من حياته وهو يدافع عن (ابن تيمية) ، وتشعر أحيانا أنه وصل إلى مرحلة من الليبرالية الإسلامية التي يصنف فيها بن تيمية بأنه مفكر لم يتناقض في طروحاته مع الدولة المدنية ، للعلم راشد الغنوشي قدم للمكتبة العربية والعالمية (25) مؤلفا كلها ، تصلح لأن تكون مناهج جامعية .
خيرت الشاطر ، أحد عتاة (الإسلاميين) في مصر ، كتب مقالا في الغارديان البريطانية تحت عنوان (لاتخافوا منا) ، شكل بابا لفتح حوار مع كامل أجهزة المخابرات الغربية ، وكأنه كان يمهد لما سيحدث في مصر مستقبلا .
مع ذلك سقطت كل هذه النماذج في العالم العربي لسبب بسيط وهو : راديكالية الحركات الإسلامية حين تصل للسلطة ، والأخطر محاولتها أسلمة المجتمعات ، ففي مصر مثلا تم الانقضاض على مجتمع النخبة ، حاولوا محاكمة عادل إمام ، وحاولوا إلغاء دار الإوبرا ، عدم فهمم لمزاج الشارع ومكوناته ، وانغلاقهم ربما كان سببا في سقوطهم المرير ، ذاك أن السلطة تحولهم من حالة إلى أخرى ملتبسة وغير مفهومة وخطرة في ذات الوقت
لنعد إلى الأردن ، ولنسأل القيادات الإسلامية هنا ، هل شاهدتم راشد الغنوشي في تونس يصف مهرجان قرطاج بأنه مجون وترف ، ويطالب بإلغائه …لنعد إلى مصر لنعد إلى جذر الإخوان سيد قطب ، هل تستطيعون إنكار كتاب الشاطيء المجهول على سيد قطب ، وهو للعلم ديوان شعر..هل تستطيعون أن تنكروا على سيد قطب إصداره لكتاب قصص للأطفال بعنوان : (كتكت المدهش) ..وهل تستطيعون إنكار قصائد الغزل التي كتبها في ديوان الأشواك؟
الإسلاميون في الأردن إنتاجهم هو: الجمعيات ، القواشين ، التبرعات ، الشركات ، محاربة الربا ، الأناشيد التي تشيد بالجهاد ، استطاعوا عبر جمعية المركز الإسلامي أن يتخطوا حاجز المليار ، لكن أحدا فيهم لم يستطع أن يقدم مؤلفا في الإسلام السياسي ، أو أن يقدم محاضرة في جامعة أوكسفورد يتحدث فيها عن (الإسلاموفوبيا) ..أو على الأقل ، أن يصل لمرحلة منظر للحركة .
وفي النهاية يقفزون للعناوين السخيفة ، جرش فسق ومجون ، وينسون أن مهرجان جرش هو جزء من هوية الدولة ، من ماكنتها الرسمية ، وإن إقامته يعني أن للدولة سلطة على المشهد الثقافي ، وإلا كيف تحسب قوة الدول ، ألا تحسب بتنفيذها للمشاريع ، وتحديها للمخاطر الإقليمية؟
الإسلام لايعرف منطق التحريض ، ما يحدث في جرش من خطاب هو تحريض وليس نقد ، وهو مس بسيادة الدولة …إن وصف جرش بالفسق والفجور ، وأنه يتناقض مع ما يحدث في غزة ، هو انتهاك صارخ أيضا لسيادة الدولة ، ذاك أنهم يضعون هذه التصريحات في إطار الفتوى ، وهذا أمر لم تنتبه له الدولة ، الفتوى لها مؤسسة خاصة مكونة من مشايخ ، وأساتذة على درجات العالية من الفقه ، ولايجوز لأحد أن يفتي خارج إطار مؤسسة الإفتاء العام ، ومن يصف مهرجان جرش بهذا الوصف ، هو يتعدى المهرجان كمؤسسة رسمية ، إلى الجمهور والأمن ومن يعملون في المهرجان ومن يبيعون ويشترون ، ومن يعملون في اقتصاد المهرجان …
لم تنتبه الدولة عبر حكوماتها المتعاقبة ، إلى كون بيانات الإسلاميين في المسائل الوطنية (فتوى ملزمة للأعضاء ) ،وفتوى ملزمة للمؤازرين ..وهي في ذات الوقت تؤثر على الشارع ، بحكم أن البسطاء والعوام يشكلون الأغلبية ويتأثرون بالخطاب الديني أكثر …كان الأصل أن تتخذ الدولة إجراءا قانونيا مع كل من يصف هذه المؤسسة المهمة – مهرجان جرش- بالفسق والفجور ، وأن تتخذ ذات الإجراء مع كل من يحاول أن يضعنا في صدام مع الدم الفلسطيني ، ويصفنا بالراقصين على الجرح ، لأن هذا الأمر يعتبر مساسا بالقرار وسلطة المؤسسات ، وبالحضور والشخوص والجغرافيا .
أعود إلى ما بدأت ، في مصر حين كان ثروت الخرباوي ، يعري الهياكل التنظيمية عبر ( الكتاب) الأشهر في نقد التنظيم وتعريته ، كان الإسلاميون في الأردن ..يفكرون في كيفية إيصال الأسلاك (للبكم الأزرق) وكيف يزجونه في المسيرات .
وفي الوقت الذي كان فيه راشد الغنوشي ، يحاول تقديم الحركة الإسلامية في تونس بالصورة التي ترضي الغرب ، كان الإسلاميون في الأردن يوزعون (حجاب المرأة المسلمة) مجانا في الحملات الإنتخابية ، في الوقت الذي كان يتطارح فيه جورج طرابيشي مع محمد عابد الجابري حول أزمة الموروث في عالمنا العربي ، كان الإسلاميون في الأردن يتشاورون حول أيهم أجدى أن نقدم في موائد الرحمن الكبسة أم المقلوبة ، واتفقوا في النهاية على وفرة الأرز والدجاج ..
حتى لا أظلمهم فقد قرأت كتاب الشيخ حمزة منصور : ( رحلتي في الإخوان ) ومؤلفا اخرا عن الوضوء حسب ما اعتقد …
والمشكلة أنهم حين يقابلونني يقولون لي : (الله يهديك يا أخ عبد.. وكأنني من الفئة الباغية… على كل حال، صرت أشعر بأن أيمن سماوي لو عرض عليهم فعالية للبكم الأزرق في المدرج الجنوبي لغيروا رأيهم في جرش .

قد يعجبك ايضا