مقال يستحق القراءة للدكتور عبيدات عن هيكلة ديمغرافية الشرق الاوسط والدم

892

المرفأ…تبلغ مساحة الشرق الأوسط 8 ملايين كيلومتر مربع، ويغطي من مصر وحتى أفغانستان شرقاً، ويضم 16 بلداً عربياً وإسلامياً بتفاوت واضح في السكان والدخل القومي، إضافة إلى تنوع المذاهب والعرقيات. وعلى الدوام تشكل منطقة الشرق الأوسط محط أطماع الدول الكبرى والاستعمارية. وتميزت شعوب المنطقة، والتي عانت كثيراً من مخططات التجزئة والانفصال، بتاريخ متكرر من النضال والرفض والاحتجاج لتلك المشاريع.

وتفوح الآن رائحة الدم مما يحدث في السويداء، والتي قد تتبعها درعا لتأمين انخراط إسرائيل في قالب المنطقة الجديد، وهو درة الحدث وجوهره، تماشياً مع مخططات وتجارب التفكيك وإعادة التركيب التي يتقنها التاريخ الاستعماري، بما فيه العثماني. ويبدو أن حدود المنطقة متحركة ولم تستقر بعد، ومنذ حرب الخليج الأولى (1980 العراقية الإيرانية) لم يجف دم خارطة المنطقة.

ويبدو أن الإخوان المسلمين، الحاضنة الأم للتيارات الإسلامية الأخرى، أبدت استعدادها للمشاركة في إطار سياسي مع الأقليات الدينية في سوريا بعد رحيل النظام السابق، متناسين صدمة التجربة العثمانية، ومتجاهلين العقل الجمعي والتحرري الذي جاءت به الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف الحسين بن علي بعد انسحاب الأتراك العثمانيين عام 1918 من المشرق العربي.

وقد اختار الدروز والعلويون أن يصبحوا جزءاً من الإطار الجديد ضمن أغلبية سنية، استجابة لمنطق الضرورة وعدم العودة إلى العهد العثماني، ولكن الجميع بعد ذلك غرق في عقدة إحياء المفاهيم الإسلامية والقومية، بل والقطرية الضيقة.

وعصفت بالمنطقة اقتتالات وحروب داخلية وإقليمية لعبت بها دول الاستعمار الحديث دوراً مهماً في التجزئة والتهجير وعدم الاستقرار وضياع الحقوق. وتشير عدة تقارير عالمية إلى وجود تحوّل ديموغرافي من شأنه إعادة تشكيل التنمية الاقتصادية على مدى عقود قادمة، وأن الصورة المؤلمة تجلت مبكراً في حرب 1948 وتهجير 70% من سكان فلسطين، وكانت أكثر قبحاً في حرب الإبادة والتجويع في غزة، ومحاولات اليأس لتهجير سكان القطاع، والتي رفضها الأردن قيادة وشعباً.

بل استمرت جهود الدولة الأردنية بكل مكوناتها، وبقيادة جلالة الملك، في استمرار الجسر الجوي والبري لنقل المساعدات الإنسانية والغذائية والصحية حتى قبل يومين. وتأتي لعبة خلط الأوراق ضمن مفاهيم “يهودية الدولة” وكم طفلاً سيولد لليهود وللفلسطينيين في المستقبل، في ظل تراجع الخصوبة لدى المرأة اليهودية. هذا ما أدركه شمعون بيرس مبكراً، وصاحب فكرة “شرق أوسط جديد” عندما تنبأ بوصول سكان فلسطين وإسرائيل إلى 20 مليون نسمة، سيكون نصفهم من العرب، والذي أدى إلى التنوع السكاني اليهودي غير المتلائم، وتشجيع الهجرات من دول الاتحاد السوفيتي سابقاً وغيرها، والذي أوصل بن غفير وسموتريتش – أصحاب دعوات الترانسفير – للتحكم بالقرار والاستيطان في حكومة نتنياهو المتطرفة.

وبعد اندلاع أحداث السويداء المؤسفة والتدخل الإسرائيلي، ما حصل هو مقدمة لأحداث تتبعها درعا، ويأتي كحلقة من مشروع بدأ في باكو في أذربيجان، يستهدف الوجود العربي، وحلقة جديدة لصراع نفوذ تركي – إسرائيلي – أمريكي، برعاية بريطانية وتغييب لنفوذ عربي. حيث ستتقدم إسرائيل إلى ريف درعا ودرعا والسويداء، وصولاً لتسليم الراية لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وتوسيع رقعة المنطقة العازلة وصولاً إلى الشرق السوري والساحل السوري، وخروج تركيا ومشروعها من سوريا.

وأعتقد أن الدولة الأردنية تدرك جيداً المشهد القاتم والتحديات التي تواجه الهلال السني في حال نجاح المشروع الصهيوني الدموي، والذي يبدأ في حيفا مروراً بدرعا والسويداء، وصولاً للمنطقة الكردية، والذي يهدد الأردن والخليج. ومن هنا تأتي أهمية وجود مشروع عربي سياسي، وعدم الاكتفاء بالدور الخدماتي والتدفق المالي.

ويمتلك الأردن عدة أوراق استراتيجية في الجنوب السوري (درعا، السويداء، حوران) تستطيع الدولة الأردنية الرهان عليها لتشكل مفتاحاً للحل قبل تمدد المشروع الإبراهيمي، والذي بات يشكل تهديداً للتذويب وفرط الكيان العربي، ودخول إسرائيل بحدودها الكبرى إلى الحضن العربي.

قد يعجبك ايضا