السماء لم تعد للحرب فقط … هل نمتلك الارادة لتوظيف التكنولوجيا في خدمة الإنسان؟ بقلم: أ.د دينا عبد الهادي
المرفأ…حين ظهرت الطائرات المسيّرة ارتبطت في وعينا بالحرب والموت كانت رمزًا للقصف الصامت وسلاحًا يفرض السيطرة من السماء بلا إنذار لم تكن سوى ظل من ظلال النزاعات تحمل الخوف وتترك وراءها الدمار، لكن التكنولوجيا لا تُولد حاملة للخير أو الشر في ذاتها، بل نحن من نمنحها معناها نحن من نختار كيف نستخدمها وأين نوجه قوتها.
اليوم، تقف الطائرات المسيّرة عند مفترق طرق فإما أن تظل حبيسة الماضي العسكري أو تتحول إلى أداة للتنمية، لتكتب فصلًا جديدًا في علاقتنا بالتقنية والسؤال هنا ليس: هل تستطيع هذه الطائرات أن تخدم الإنسان؟ بل: هل نملك نحن الإرادة والرؤية لنوجّهها نحو البناء؟
الحقيقة أن هذه الطائرات أثبتت بالفعل قدرتها على إنقاذ الأرواح، لا إزهاقها . نراها في الحقول الزراعية، تحلّق فوق المحاصيل لا لتدمّرها، بل لتراقب صحتها، تكشف الأمراض، وتحدد لحظة الري بدقة غير مسبوقة و في عالم يزداد فيه الضغط على الغذاء وتتراجع فيه الموارد لم يعد هذا رفاهية، بل صار ضرورة. وعندما تضرب الكوارث وتنهار الطرق، تكون هذه الطائرات أول من يصل، لا تحمل القنابل، بل الأمل، سواء في صورة معلومة ترشد فرق الإنقاذ، أو دواء ينقذ حياة في قرية معزولة.
غير أن السؤال الأعمق يظل قائمًا: لماذا ما زالت هذه التطبيقات غائبة عن كثير من دولنا؟ السبب لا يكمن في التقنية، بل في العقلية التي تتعامل مع كل جديد بريبة، وفي السياسات التي تقيّد المعرفة بدلًا من تحريرها فالتكنولوجيا ليست عدوًا، لكنها أيضًا ليست بريئة؛ فهي تعكس اختياراتنا. يمكن أن تتحول إلى خطر، نعم، إذا غابت القوانين الذكية، وانعدمت الرقابة المسؤولة، وتراجع التعليم الذي يُخرّج أجيالًا قادرة على استخدامها للخير لا للشر.
المعضلة الحقيقية إذن ليست في الطائرات المسيّرة بل في قدرتنا على صياغة رؤية واضحة. هل سنختار أن نجعلها أداة للسيطرة والمراقبة فقط، أم نفتح لها أبواب التنمية لنستفيد منها في الزراعة، والطب، والبيئة، والإنقاذ؟ هل سنتركها حكرًا على الشركات الكبرى والدول الغنية أم سنجعلها حقًا إنسانيًا يساهم في تقليل الفجوة بين من يملك التكنولوجيا ومن لا يملكها؟
أؤمن أن المستقبل لن يُصنع في السماء وحدها بل على الأرض التي تختار كيف تستثمر ما يعلوها الطائرات المسيّرة فرصة لا تهديد شرط أن نحسن توجيهها، ونضع التشريعات التي تضمن استخدامها بعدالة، ونزرع الثقة بدل الخوف فإذا فعلنا ذلك، لن تكون هذه الطائرات ظلًا للحرب، بل جناحًا للتنمية
إننا أمام لحظة فارقة، إما أن نواصل الحذر المفرط الذي يقتل المبادرات، أو نمتلك الشجاعة لإعادة تعريف علاقتنا بالتكنولوجيا إن أحسنا استخدامها، فقد لا نكون من اخترع الطائرات المسيّرة، لكننا سنكون من أعاد ابتكار دورها في حياة البشر المستقبل لا يُصنع من السماء وحدها، بل بإرادة تحلّق نحو الأفضل.
استاذ الاحصاء ووكيل كلية التجارة جامعة طنطا