الذكاء الاصطناعي وبناء الإنسان بقلم الدكتورة:عبير محمود خلف
المرفأ….في عصر تتسارع فيه وتيرة التقدم التكنولوجي بشكل غير مسبوق، أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) واحدًا من أبرز مظاهر هذا التحول، ليس فقط في تغيير شكل الحياة اليومية، بل في التأثير العميق على بناء الإنسان نفسه: فكرًا، سلوكًا، وقيمًا.
في بداياته، وُضع الذكاء الاصطناعي كأداة لتحسين الإنتاجية وتيسير حياة الإنسان. إلا أنه مع تطور قدراته – من المعالجة اللغوية الطبيعية إلى التعلم العميق واتخاذ القرارات – لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة، بل شريكًا معرفيًا وإنسانيًا يؤثر ويُتأثر.
أحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في مجال التعليم، إذ أصبحت مصادر المعرفة متاحة في أي وقت ومن أي مكان. يمكن الآن للمتعلمين أن يتفاعلوا مع أنظمة تعليمية ذكية تفهم قدراتهم، وتوجههم بشكل فردي. هذا لا يساهم فقط في تنمية العقول، بل في إعادة تشكيل طرق التفكير والتحليل والاستنباط
من أبرز التحديات التي يطرحها الذكاء الاصطناعي هو تأثيره على المنظومة القيمية للإنسان. فبينما تسعى بعض التطبيقات إلى تعزيز التفاعل الإنساني والتفاهم، قد يسهم البعض الآخر في نشر العزلة أو تعزيز الانحيازات الرقمية. وهنا تبرز أهمية أن يكون الإنسان هو من يوجه الذكاء الاصطناعي بقيمه، لا العكس.
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم في تعزيز الصحة النفسية من خلال أدوات المساعدة الذكية التي تقدم الدعم والإرشاد. كما يمكن أن يكون وسيلة لفهم السلوك الإنساني بشكل أدق وتحسين العلاقات الاجتماعية. لكنه قد يؤدي – إن أسيء استخدامه – إلى تقليل التفاعل البشري المباشر، مما ينعكس سلبًا على مهارات التعاطف والتواصل.
الذكاء الاصطناعي ليس نهاية للإنسان، بل فرصة لإعادة بناء الذات الإنسانية بشكل أعمق. فالآلة قد تتفوق في الحسابات والسرعة، لكن الإنسان يتميز بالضمير، والوعي، والقدرة على الحُلم والإبداع. لذا، فإن بناء الإنسان في عصر الذكاء الاصطناعي يجب أن يركز على ما لا يمكن تقليده: الإنسانية نفسها.
إن الذكاء الاصطناعي يقدم فرصة ذهبية لإعادة صياغة شكل الحياة، لكن هذه الفرصة لا تكتمل إلا ببناء إنسان أكثر وعيًا بذاته، أكثر فهمًا لغيره، وأكثر تمسكًا بالقيم التي تحفظ له تميّزه. فالذكاء لا يُقاس فقط بما تملكه من معرفة، بل بكيفية توظيف هذه المعرفة لصنع عالمٍ أكثر عدلاً وإنسانية