الحدود القانونية لاستخدام الروبوتات في تقديم الخدمات الحكومية… بقلم الدكتور احمد صفوت
المرفأ…دراسة مقارنة وتطبيق على السياق المصري
يشهد العالم تطورًا متسارعًا في مجال الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في الإدارة العامة ومن أبرز هذه التطبيقات استخدام الروبوتات في تقديم الخدمات الحكومية وهو ما أصبح واقعًا في عدد من الدول التي تبنت استراتيجيات رقمية متقدمة وبدأت بالفعل في توظيف الروبوتات في مجالات متعددة مثل مراكز خدمة المواطنين والاستشارات القانونية الآلية والتعامل مع الوثائق والمراسلات الحكومية وهو ما يثير تساؤلات قانونية عميقة تتعلق بحدود استخدام هذه التكنولوجيا في المجال الإداري ومدى توافقها مع المبادئ الدستورية والقانونية التي تحكم العلاقة بين الإدارة والمواطن لا سيما في السياق المصري الذي لا يزال في طور بناء منظومته الرقمية إن استخدام الروبوتات في الإدارة العامة يتطلب إطارًا قانونيًا واضحًا يحدد المسؤولية القانونية عن الأخطاء التي قد ترتكبها هذه الأنظمة ويبين ما إذا كانت القرارات أو الإجراءات الصادرة عن الروبوتات يمكن اعتبارها قرارات إدارية ملزمة أم مجرد أدوات تنفيذية يجب أن تُراقب وتُعتمد من قبل موظف بشري كما يثير الأمر إشكالية حماية البيانات الشخصية التي تتعامل معها الروبوتات ومدى التزامها بمعايير الأمان والخصوصية فضلًا عن الحق في التواصل البشري مع الإدارة وحق المواطن في أن يكون له مخاطب إداري فعلي يمكنه الرد على استفساراته وتظلماته ولا يمكن تجاهل أن بعض القرارات الإدارية ترتبط بسلطة تقديرية قد يصعب برمجتها داخل نظام وربوتي جامد مما يفرض حدودًا موضوعية على مدى قابلية بعض الخدمات للإتمتة الكاملة وتشير التجارب المقارنة إلى أن بعض الدول مثل إستونيا وكندا واليابان وضعت أطرًا قانونية مسبقة لاستخدام الروبوتات في الإدارة تقوم على مبدأ أن الروبوت أداة مساعدة وليست بديلاً كاملاً عن العنصر البشري وأن أي قرار نهائي له أثر قانوني يجب أن يخضع لاعتماد موظف مسؤول كما اشترطت هذه الدول وجود أنظمة مراجعة وتدقيق دورية لأداء الروبوتات وتقييم مدى التزامها بالمعايير القانونية والحقوقية وقد اعتمد بعضها على لوائح تنظيمية تصدرها الجهات الإدارية أو الوزارية المعنية بينما لجأت أخرى إلى إصدار قوانين خاصة بالحوكمة الرقمية والإدارة الذكية أما في السياق المصري فإن إدخال الروبوتات في تقديم الخدمات الحكومية لا يزال في مراحله الأولى ولم تصدر بعد تشريعات أو لوائح تُنظم هذا الاستخدام بشكل صريح رغم وجود بعض المبادرات في مجالات مثل التعليم والصحة والجمارك وهو ما يفتح المجال أمام مخاطر قانونية تتعلق بالمسؤولية والغموض القانوني وغياب الشفافية ومن ثم فإن من الضروري أن يسبق التوسع في استخدام الروبوتات صدور قانون خاص ينظم العلاقة بين المواطن وهذه الأنظمة يحدد اختصاصاتها وحدودها ويضع ضمانات قانونية لحماية الحقوق كما يجب أن ينص على وجوب المراجعة البشرية لأي قرار يصدر عن روبوت له أثر قانوني مباشر ويُلزم الجهات الحكومية بالكشف عن استخدام الروبوتات في تعاملاتها وإتاحة آليات تظلم واضحة لأي خطأ تقني أو إداري قد ينتج عن هذا الاستخدام إن الحدود القانونية لاستخدام الروبوتات في تقديم الخدمات الحكومية تمثل عنصرًا حاسمًا في نجاح التحول الرقمي العادل ويجب أن يُبنى هذا التحول على قواعد قانونية راسخة تضمن التوازن بين الكفاءة التكنولوجية والضمانات الحقوقية وتجعل من الإدارة الرقمية أداة لخدمة المواطن لا وسيلة للمساس بحقوقه أو غموض مركزه القانوني