الغفلة عن شكر النعم… بقلم ألد هبه المالكي – جامعة الأزهر –
المرفأ….في زحمة الحياة وتسارع أحداثها، يغفل كثير من الناس عن واحدة من أعظم القيم التي تحفظ النعم وتزيدها: شكر الله عليها. وكأن الاعتياد على النعمة يُنسي صاحبها أن ما بين يديه لم يكن حتمًا، وأنه قد يزول في لحظة.
لقد حذَّر القرآن الكريم من هذا المعنى في قوله تعالى: “لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ”، فجعل الشكر سببًا للزيادة، والغفلة عنه بابًا للحرمان. والشكر هنا ليس مجرد كلمات تُقال، بل هو شعور قلبي، وقول باللسان، وعمل بالجوارح، يعكس إدراك الإنسان لقيمة ما أنعم الله به عليه.
الغفلة عن شكر النعم تبدأ حين نعتبر ما نملكه أمرًا عاديًا، فنأكل دون أن نستحضر نعمة الصحة، ونسير دون أن نشكر نعمة الأمان، وننام في فراشنا دون أن نتذكر أن هناك من يبيت على الأرصفة أو في مخيمات النزوح. ثم يتسع هذا الشعور حتى نصبح غير راضين بما في أيدينا، نطارد المزيد دون أن نستمتع بما نملك أصلًا.
هذه الغفلة خطيرة، فهي تفتح باب السخط، وتجعل القلب قاسيًا، وتحوّل النعمة إلى عادة بلا طعم. والأسوأ أن زوال النعمة حينها يصبح أقرب مما نتخيل، لأننا لم نصنها بشكرنا لله، ولم نؤد حقها.
ولكي نكسر دائرة الغفلة، علينا أن ندرّب أنفسنا على التأمل في أبسط النعم: شربة ماء بارد، ضحكة طفل، نفس يتردد في صدرنا بلا مشقة. كما يمكننا تخصيص لحظات يوميًا لذكر “الحمد لله” بوعي، وممارسة العطاء للآخرين، فهو من أرقى صور شكر النعمة.
إن الشكر لا يضيف فقط بركة مادية ومعنوية، بل يزرع في النفس الطمأنينة ويزيد الرضا. وما أجمل أن نعيش ونحن ندرك أن ما لدينا أمانة من الله، وأن دوامها مرهون بامتناننا الصادق.
فلنحذر أن نكون ممن قال الله فيهم: “وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ”. ولنكن من ذلك القليل، قبل أن نفقد ما بين أيدينا ونكتشف – بعد فوات الأوان – أن الغفلة كانت هي بداية الزوال.