د. ايفان معتصم قورشه…يكتب رؤية صاحب السمو الملكي الحسين بن عبدلله الثاني المعظم حول التحول المحوري لدور الشباب لمواكبة التغيرات و التحديات
المرفأ…إن ما نشهده اليوم هو انتقال تدريجي لكن فعّال من نماذج العمل التقليدية نحو منظومة تقوم على التمكين الذاتي والابتكار، مدفوعة بدعم سياسي عالٍ ومتابعة مؤسسية دقيقة، تجعل من الشباب الأردني فاعلين في الحاضر وصنّاعًا للمستقبل. فالتوجّه نحو الرقمنة، وريادة الأعمال، والتطوع المؤسسي، والبيئة المستدامة، كلها مؤشرات على أن الأردن يراهن على طاقات شبابه ليس فقط لتحقيق النمو الاقتصادي، بل لبناء مجتمع أكثر تماسكًا واستعدادًا لمواجهة تحديات العصر.
شهد الأردن في السنوات الأخيرة تحولاً ملحوظاً في رؤيته التنموية، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني وولي عهده الأمير الحسين بن عبد الله الثاني. تُشكل هذه الرؤية الشاملة منصةً استراتيجيةً لإشراك الشباب في التنمية الوطنية الشاملة. في ظل المتغيرات العالمية المتسارعة،حيث أن وضع الشباب الأردني لم يعد كما كان عليه قبل خمس سنوات، مما يستدعي إعادة توجيه الجهود نحو تمكينهم اقتصادياً واجتماعياً ضمن أطر عصرية تتلاءم مع التحول الرقمي والاقتصاد القائم على المعرفة.
يُمثل الشباب الأردني، أكثر من 60% من السكان، العنصر الأهم في معادلة التحول وحيث ان رؤية التحديث الاقتصادي هي إطار عمل وطني شامل يهدف إلى توفير مليون فرصة عمل جديدة، ورفع مستويات الدخل، وتحسين جودة الخدمات بحلول عام 2033 حيث ان رؤية التحديث الاقتصادي تاتي لتترجم هذا التوجّه عمليًا من خلال خطط مدروسه تعمل على توجيه الاقتصاد نحو القطاعات المنتجة، وتعزيز دور التكنولوجيا وريادة الأعمال.
التمكين الاقتصادي وحده لا يكفي، إذ لا يمكن لأي تنمية أن تتحقق دون ترسيخ الانتماء الوطني الحقيقي، والانضباط، والوعي بأهمية العمل الجماعي، وهي المبادئ التي شكّلت المفاجأة السارّة التي أعلنها سمو ولي العهد بإعادة تفعيل خدمة العلم، والتي قوبلت بترحيب واسع من مختلف فئات المجتمع. فالخدمة العسكرية ليست مجرد التزام وقتي، بل هي أرقى صور الانتماء للوطن، ومصدر فخر واعتزاز لكل شاب يسهم في حماية بلده وبناء مؤسساته بروح من المسؤولية والانضباط والالتزام.
ولا يقتصر الأثر على التوظيف فحسب، بل يمتد إلى تهيئة بيئة مواتية للإبداع والتطوع، من خلال منصات رقمية مثل “نحن”، التي عمقت مفهوم المواطنة الفاعلة لدى الشباب، وولدت أكثر من 3 ملايين ساعة تطوع، وعززت مشاركتهم في أعمال التنمية المحلية من خلال ربطهم مباشرةً بالمبادرات المجتمعية والبلديات ومنظمات المجتمع المدني. كما تمكن الشباب من استخدام هذه المنصة لتوثيق مساهماتهم رسميًا، مما منحهم ميزة إضافية عند التقدم للوظائف أو المنح الدراسية.
إن هذه الخطوة تعكس إيمان القيادة بأن أي مسار تنموي لا يكتمل دون ترسيخ ثقافة المواطنة الفاعلة، وتنشئة أجيال تتحلى بالقيم الوطنية، وتدرك أن شرف خدمة الوطن لا يضاهيه شرف. ومن هنا، فإن ربط التحوّل الاقتصادي والاجتماعي بإعادة تفعيل خدمة العلم يعكس فهمًا عميقًا بأن قوة الأردن الحقيقية لا تكمن فقط في أرقام الاقتصاد، بل في أبناءه الذين يضعون مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
وبموازاة هذه الجهود، تم التركيز على تعزيز مفاهيم الاستدامة والبيئة الخضراء من خلال مبادرات تقودها منظمات محلية ودولية. وتشجع هذه المبادرات الشباب على الانخراط في مشاريع بيئية تعكس وعيًا متزايدًا بتغير المناخ واستخدام الموارد الطبيعية. ومن بين هذه المبادرات مشروع “شباب من أجل بيئة مستدامة”، الذي أطلقته مؤسسة ولي العهد بالتعاون مع أنيرا (Anera) ومنظمات محلية في الزرقاء. وصُمم هذا المشروع لتوفير فرص ريادة الأعمال الخضراء للشباب، وربطهم بالقطاع الخاص وبلدياتهم من خلال المبادرات الزراعية، ومشاريع إعادة التدوير، وتحسين جودة الهواء والمياه.
ولأن التغيير المؤسسي لا يكتمل إلا بشراكات استراتيجية، فقد لعبت المؤسسات الدولية دورًا داعمًا، لا سيما البنك الدولي الذي وقّع إطار شراكة استراتيجية جديدًا مع الأردن حتى عام ٢٠٢٩. يركز هذا الإطار على خلق فرص العمل، وتعزيز التحول الرقمي، وتمكين الفئات الأقل حظًا، وخاصة النساء والشباب، في الاقتصاد الوطني. كما سُلِّط الضوء على أهمية بناء رأس المال البشري وتوجيه الاستثمار نحو التعليم المهني والتقني. ويتقاطع هذا مع نهج مؤسسة ولي العهد من خلال دعمها لمبادرات مثل جامعة الحسين التقنية، التي تقدم برامج نوعية مبنية على احتياجات سوق العمل.
وبالعودة إلى السياق المجتمعي، أصبح التركيز على التطوع والمشاركة المجتمعية عنصرًا أساسيًا في تشكيل الهوية الجديدة للشباب الأردني. إن توفير فرص للشباب للانخراط في العمل المجتمعي من خلال الأدوات الرقمية الحديثة والشراكات مع القطاع الخاص، لتعزيز أثر التطوع، و تعزيز شعورهم بالانتماء وصقل مهاراتهم الشخصية وبناء شبكاتهم المهنية.
ومن هنا، فإن الرؤية التي يرسّخها سمو وليّ العهد ليست فقط انعكاسًا لطموح جيل جديد، بل هي دعوة وطنية لتجديد العقد الاجتماعي مع الشباب، وفتح آفاق جديدة أمامهم ليكونوا روّاد التغيير والإنتاج في وطنهم، شركاء في صنع القرار، ومسؤولين عن المستقبل كما هم أمل الحاضر.