لا ترحل من الدنيا كما أتيتها.. اترك أثرًا بقلم: دعاء زيدان
المرفأ…هل شعرت يومًا بالغربة في تلك الأرض؟ هل جال بخاطرك أن الأرض ليست هي موطنك الأصلي؟ فما الأرض إلا ممر لا مقر، أما المقر الحق فهو الجنة.. هناك حيث خُلق أبواك.. أنت هنا فقط لتترك أثرًا في تلك الأرض ثم تعود إلى موطنك الأصيل.. الجنة بمشيئة الله تعالى.
هبط أبواك آدم وحواء من الجنة فحرصا على ألا يفسدا في الأرض كما أفسد فيها مَن سبقهم من الجن، فعمّراها بالعبادة والذرية.. وهنا يأتي دورك أنت يا بن آدم ‘ ماذا ستفعل؟ هل ستكون ممن يترك الدنيا كما وجدها؟ أم ستكون ممن يضيف إليها أثرًا قبل أن يرحل؟
ابحث في كل دور من أدوارك في هذه الحياة، واجتهد أن تترك فيه أثرًا نافعًا.. لا تجعل موتك ختامًا بلا أثر، ولا تجعل حضورك في الدنيا عابرًا لا يُذكر.. فنحن هنا لنعمّر الأرض، ولنحيي مواتها.
فيا عبد الله، فكّر بصدق: ما الفكرة التي يمكن أن تخدم بها دين الله؟ سل الله أن يفتح لك بابًا من الخير، أن يهديك إلى عملٍ لا ينقطع أجرك به، إلى أثرٍ يبقى شاهدًا لك حين يغيب جسدك تحت التراب.. لا تستهلك عقلك في جمع مالٍ زائل، ولا تُفنِ عمرك في مطاردة مناصب تنتهي بانتهاء النفَس.. اجعل عقلك وقلبك في سعيٍ يرضي الله وينفع عباده.
ويا أيها الأب، أثرك الأعظم ليس في مالٍ تجمعه، إنما في ابنٍ تربيه وابنةٍ تنشئها.. ورِّث أبناءك قضايا أمتك، وعلّمهم أن يكونوا لبِناتٍ في صرح الإصلاح.. اجعل ابنتك أمًا لعظماء الغد، وابنك أبًا لأبطال المستقبل.
ويا أيها الابن، لا تستهِن بقدرتك على عمارة الأرض.. ازرع فسيلة، احفر بئرًا، ابنِ مسجدًا. فقد قال النبي ﷺ: «إنْ قامتْ على أحدِكُم القِيامةُ، وفي يَدِه فَسيلةٌ فَليَغْرِسْها» (أخرجه أحمد بإسناد صحيح).. فالأثر قد يكون صغيرًا في عينك، لكنه عظيم عند الله.
أيها الزوج، وأيتها الزوجة: اجعلا نيتكما أن يخرج من نسلكما خلفاء لله في أرضه يعمّرونها.. لا تنحصر حياتكما في طعام وشراب ولباس، بل في صناعة أجيال تحفظ الدين، وتبني الحضارة، وتورث الإنسانية الخير.
وأنت أيها الجار: اجعل أثرك في حيّك، في بيتك، وسُنّ سنّةً حسنة حيثما كنت، تمتد بعدك.
وأنت أيها العامل والموظف: لا تحسب عملك مجرد وظيفة تنتهي بوقت.. اجعل فيه أساسًا يسير عليه من بعدك.
أما عنك بوصفك قريبًا: فصِل رحمك.. اجعل صلتك عادةً موروثة يقتدي بها أبناؤك، فيورثونها لأبنائهم من بعدهم.
وأنت أيها الصديق: كن ناصحًا لصديقك، مقوِّمًا له، قبل أن تكون خصيمه يوم القيامة.
والخلاصة: احرص على ألا تموت دون أن تترك أثرًا في كل دور من أدوار حياتك.
إياك أن تأتي إلى الدنيا ثم تتركها كما أتيتها.
كن ذا أثر.
مدرس مساعد الفقه بجامعة الأزهر