الفرانكو… بين لهوٍ عابر وضياع الهوية بقلم د. إيمان فوزي

3٬254

 

المرفأ…الفرانكو بات ظاهرة لافتة في حياتنا اليومية، نشأت في بداياتها كوسيلة سريعة للتواصل عبر الأجهزة التي لم تكن تدعم العربية، ثم تحوّلت إلى عادة راسخة بين الشباب والأطفال، يكتبون الكلمات العربية بحروف إنجليزية وأرقام تمثل بعض الحروف، فنرى من يدوّن “7ob” بدلاً من حب و”3omr” بدلاً من عمر، وقد يصل الأمر إلى أن يظن طفل في الصف الابتدائي أن كلمة “ezayek” هي الطريقة الصحيحة لكتابة “إزيك”، في البداية بدا الأمر تسلية مؤقتة غير أنّ العادة تمكّنت حتى أضعفت ملكة اللغة لدى جيل كامل، وليست المشكلة في الأداة بقدر ما هي في الأثر، إذ ينشأ جيل يرى العربية ثقيلة ومعقدة بينما الفرانكو سهلة ولطيفة، وحين يكلَّف أحدهم بكتابة موضوع رسمي قد يخطّ عبارة مثل “el mostaqbal haykon a7san” بدلاً من “المستقبل سيكون أفضل”، فيبدو وكأن اللغة نفسها تتآكل، واللافت أنّ الظاهرة لا تقتصر على صغار السن أو ضعاف التعليم، بل كثير من الشباب المتفوقين في الجامعات الكبرى يقعون في أخطاء إملائية فادحة لا عن جهل بل عن عدم اهتمام، ترى أحدهم يكتب “إنشاء الله” بدل “إن شاء الله” أو يشوّه كلمات شائعة وهو على دراية بالصواب لكنه يستسهل ويعتبر الأمر بلا قيمة، وهنا ندرك أن القضية لم تعد قصور معرفة بل استخفافًا باللغة ذاتها، وقد يُقال إن الفرانكو لغة ابتكرها الشباب ليميزوا أنفسهم ويصنعوا بينهم رمزًا خاصًا يبعث على المرح والانتماء وهذا وجه صحيح لكنه لا يبرر أن تصبح عادة تطغى على العربية، فالعربية ليست حروفًا فقط إنما هي هوية وفكر وتاريخ، وإذا أهملناها فقدنا هويتنا، ومن هنا يظهر دور الأسرة والمدرسة معًا فهما المسؤولتان عن أن ينشأ الأبناء على قناعة أن الإنسان الراقي هو من يتحدث ويكتب العربية السليمة لا من يخلطها بالفرانكو ولا من يفاخر بالإنجليزية وحدها، لا بد أن نعرّفهم مواطن الجمال في لغتهم وأن نفتح أعينهم على ما تحمله من تعبيرات رفيعة تمكّنهم من البوح بما في خواطرهم ومشاعرهم بعمق يفوق أي لغة أخرى، فالعربية ليست مجرد وسيلة للتواصل بل وعاء للروح والفكر ولغة القرآن الكريم التي تتجلّى فيها أعذب المعاني وأدقّ الصور، ومن يعتز بها فقد بلغ ذروة الرقي والتحضر.

قد يعجبك ايضا