ثقافة العمل.. بوابة الوطن نحو التنمية الشاملة” بقلم: الدكتورة هدى فريد
المرفأ..في خضم التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها عالمنا العربي، تبرز الحاجة الملحة لغرس ثقافة العمل لدى الأجيال الجديدة، باعتبارها حجر الأساس لأي نهضة حقيقية ومستدامة. فالأمم لا تقوم إلا بسواعد أبنائها، ولا تنهض إلا إذا آمنت بأن العمل قيمة، والإنجاز واجب، والانتماء مسؤولية.
اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، نحتاج إلى الاستثمار في الشباب بوصفهم الثروة الحقيقية للوطن، لا مجرد أرقام في الإحصاءات السكانية. إن الشباب إذا أُحسن توجيههم، وتوفير بيئة حاضنة لإبداعهم، يمكن أن يكونوا المحرك الأساسي لعجلة التنمية، وصمّام الأمان لأي مجتمع يسعى إلى التقدم والاستقرار.
ينبغي أن نرسّخ في وعينا الجمعي أن العمل ليس وسيلة لكسب العيش فقط، بل هو واجب وطني، ومسؤولية تجاه المجتمع، ودور محوري في صناعة مستقبل الأوطان. إن غرس حب العمل منذ الصغر، وتعليم الأطفال احترام كل مهنة، مهما بدت بسيطة، هو جزء من بناء شخصية وطنية سوية، قادرة على العطاء وتحمل المسؤولية.
ولا بد أن نقر أن الشعوب التي تقدّس العمل، وتمنحه مكانته اللائقة، هي الشعوب التي سبقتنا في ركب الحضارة والتطور. أما التراخي، أو انتظار الفرص دون سعي، فهو ما يكرّس ثقافة الاتكالية ويعطّل مسيرة التنمية.
الاستثمار في الشباب.. لا خيار بل ضرورة
الشباب اليوم يملكون أدوات غير مسبوقة من المعرفة والتكنولوجيا والطاقة. ولكن هذه الإمكانيات قد تتحول إلى عبء، إذا لم نجد الآليات الكفيلة بتوظيفها في مسارات إنتاجية. ومن هنا، فإن الاستثمار في التعليم والتدريب، ودعم ريادة الأعمال، وفتح آفاق الابتكار أمام الشباب، هو السبيل نحو تنمية اقتصادية حقيقية وشاملة.
كما أن تمكين الشباب لا يعني فقط توفير فرص العمل، بل يشمل أيضًا منحهم الثقة، وإشراكهم في اتخاذ القرار، وتعزيز روح القيادة والمسؤولية لديهم، وهو ما ينعكس إيجابًا على كل قطاعات الدولة، من الصناعة والزراعة إلى التكنولوجيا والخدمات.
حب الوطن لا يُقاس بالشعارات، بل بالأفعال والسلوكيات اليومية. العمل بإخلاص، الالتزام بالقانون، الحفاظ على الممتلكات العامة، الإتقان في كل مهمة صغيرة أو كبيرة، كلها تعبيرات حقيقية عن الانتماء للوطن.
ومن المؤسف أن نرى من يرفع راية الوطن في الخطاب، بينما يمارس الإهمال والفساد في الواقع. لذا، يجب أن يكون غرس حب الوطن مقترنًا بقيم العمل والتضحية والبناء، لا بالشعارات الرنانة فقط.
نحو نهضة شاملة في كافة المجالات
إن التحديات التي نواجهها، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو بيئية، لا يمكن مواجهتها إلا بتكاتف الجميع، والعمل بروح الفريق، وتقديم مصلحة الوطن على المصالح الفردية. النهضة في الصناعة تحتاج إلى عقول مبدعة وسواعد ماهرة، والتنمية الزراعية تتطلب ابتكارًا وإدارة واعية، والتعليم لا ينهض إلا بالمعلم المتفاني، والصحة لا تستقيم دون الطبيب المخلص، والإعلام لا يؤدي دوره دون التزام ومسؤولية.
كل فرد في موقعه هو ركيزة في بناء الوطن، وكل جهد صادق هو لبنة في صرح النهضة التي ننشدها.
إن ثقافة العمل، والاستثمار في الشباب، وغرس حب الوطن ليست شعارات مؤقتة، بل هي استراتيجيات وطنية ينبغي أن تكون حاضرة في كل سياسات الدولة، وفي كل مؤسساتها، وفي كل بيت ومدرسة وجامعة. فالتنمية ليست هدفًا بعيد المنال، بل نتيجة حتمية عندما يتحول العمل إلى ثقافة، والشباب إلى طاقة موجهة، والوطن إلى مسؤولية جماعية.
فلنعمل معًا من أجل وطن يستحقنا، ونستحقه.