العلاقة بين السّمنة والاكتِئاب. بقلم الخبير التربوي و الأكاديمي : الدكتور محمد أبو عمارة
المرفأ….سُؤال يطرح نفسه بشدّة: ما حَقيقة العَلاقة بَين السّمنة والاكتئاب؟!
العلاقة حَميمة ولكنّها ليست إِجباريّة بِمعنى أن لَيس كُل مُكتَئب سمين والعكس صحيح ولكن عَلى الأَغلب أَنّ الإِجابة بأَنّ أَحدهما يُؤدّي للآخر فالسّمنة قَد تُؤدّي للاكتِئاب والاكتِئاب قَد يُسبِّب زيادة الوَزن.
ولكن كيف يُمكن أَن تُؤدّي السّمنة إِلى الاكتِئاب؟! يَعود ذلك لعدّة أَسباب: –
• عوامل بيولوجيّة: اضطراب الهرمونات مثل مُقاومة الأَنسولين وسوء المَزاج.
• عوامل نفسيّة واجتماعيّة: كالوَصمة الاجتماعيّة وهِيَ إِطلاق صِفَة عَلى الشَّخص تَكون غَير مُحَبَّبَة لَه كَأَن يُنادى بالسَّمين أو المنطو أو المعتزل وغيرها من الألقاب غير المحببة .
وصور الجسم السّلبية التي يراها صاحبها و التي قَد تُؤدّي لتدنّي الثّقة بالنّفس والميل للاكتِئاب خاصَّة في مرحلة المُراهقة.
وكيف يُؤدّي الاكتئاب إِلى السّمنة؟! مِن خِلال: –
• العادات الغذائيّة غير السليمة كالأَكل العاطفي خصوصًا السّكاكر لتخفيف مشاعر الحُزن. فَقد ثبت علميًّا أَنّ السّكاكر تُخفِّف مشاعر الحُزن و ترفع هرمون السعادة.
• قِلَّة النّشاط البدني.
• تناول الأَدوية مُضادات الاكتِئاب تُسبِّب زِيادة الوَزن.
ولكن مَن الذي يسبق الآخر؟!
لا يوجد دِراسات تُؤكِّد أَيُّهما يسبق الآخر ولكن المرحلة العُمريّة تُؤثّر، فمثلاً في سِنّ الشَّباب والمُراهقة الاكتِئاب غالبًا يسبق السّمنة بينما عِند النّساء السّمنة تسبق الاكتِئاب.
فالسُّمنة تُعتبر أَحد أَهم أَسباب اكتِئاب المَرأة ،وفي المُراهقة المشاعر المُضطربة قَد تَقود المُراهق للاكتِئاب، و الاكتئاب قد يؤدي للعزلة و السمنة ، ومَع ذلك فالأَمر نسبي ولا توجد قاعدة عِلميّة لَه.
ولكن ما أَبرز المُؤشّرات النّفسيّة التي قَد تُرافق السّمنة؟!
1 – انخفاض تقدير الذّات.
2 – عَدم القَناعة والخجل مِن صورة الشكل لتكوين صورة ذهنية عن الذات تنبع من عدم الرضا عن الشكل .
3 – القَلق الإِجتماعي والهروب مِن المُناسبات الاجتماعيّة تَجَنّبًا للنَقد.
4 – الاكتِئاب: وما يُرافقه مِن حُزن وعَدم الاهتمام بالأَنشطة وانعدام الشّغف واضطرابات النَّوم والشهيّة.
5 – الشّعور بالوصمة والخَوف مِن التّعرض للتنمّر.
ولكن كيف يُمكن للطعام أَن يتحَوّل إِلى وسيلة هروب نفسي؟!
نُطلق عليه “الأَكل العاطفي” حيث لا يبقى الطّعام وسيلة لإِِشباع الجوع البيولوجي وإِنّما وسيلة للهروب أَو التّخفيف مِن الضّغوط النّفسيّة ونَحن نقوم بِزرع ذلك عِندَ النّاشئة مِن خلال تصرّفات غير مقصودة مثل:
1 – عِندَ وضع الطّعام كنظام مُكافأة للأَطفال مثل: تقديم الحلويّات عِندَ إِنجاز مُهمّة أَو لكي يصمت عن البكاء هذا التصرف يزرع في العقل الباطن للطفل أَنّ الأَكل راحة نفسيّة، لذلك تجده يهرب إِليه كلما توتر.
2 – الأَطعمة الغنيّة بالسّكر تُعطي شعورًا بالرّاحة لأنها ترفع هرمون السعادة.
3 – الهروب مِن المشاكل بالتّوجه للطعام لتمضية الوَقت وإِشغاله.
و إِلى أَي مدى تَلعب الهرمونات دَورًا في هذه العَلاقة؟
الهرمونات هِيَ حلقة وصل بَين السّمنة والمزاج.
1 – تَتَحكّم بالشّهيّة وتنظيم الأكل.
– الغريلين(Ghrelin): هو هرمون الجّوع ويفرز عادة عِند الإِحساس بالجّوع وأَي اضطراب فيه يُؤدّي لطلب دائم للطعام مما يُؤدّي للسمنة.
– اللبتين(Leptin): هرمون الشّبع أَي اضطراب فيه يُؤدّي لطلب الطّعام دومًا لعدم وجود شعور بالشّبع.
2 – التّحكّم في المزاج والنَوم.
– السيروتونين :هوَ الهرمون الذي يُحسّن المَزاج ويتحكّم في الشّهيّة والأَكل.
– الميلاتونين :هرمون النَّوم يُنظّم النَّوم والاستيقاظ.
أي خَلل في أَحد الهرمونين يُؤدّي للسمنة أَو الاكتِئاب أَو كلاهما.
3 – هرمونات الضّغط النّفسي.
الكورتيزول ارتفاعه يُخزّن الدّهون و يؤدي إلى السمنة.
4 – هرمونات التّمثيل الغذائي
– الأَنسولين.
– الغدّة الدّرقية.
أي خلل فيهما يؤدي لاضطرابات متعددة في الجسم .
ولكن هَل يَجِب مُعالجة الاكتِئاب أَوّلاً أَو السّمنة؟!
لا يوجد تَرتيب إِنّما يُفضّل أَن يكون العِلاج مُتزامنًا ومُتكاملاً ولكن: إ
إذا كان الاكتئاب شَديدًا نَبدأ بِه لأن الاكتئاب الشديد قد يقود لأعمال خطيرة و قد يصل إلى الانتحار .
وإِذا كانت السّمنة مُفرطة وتُهدّد الحَياة طبّيًّا نَبدأ بِها مَع الدَّعم النَّفسي.
ولكن الأَفضل عَمل خُطّة عِلاج ثنائيّة المسار “نفسيّة وبدنيّة” بحيث تتمّ مُعالجتهما معًا.
هَل هُناك دَور للدعم النّفسي في انقاص الوَزن؟
نَعم هُوَ جزء مُهم جِدًّا لأَنّه يُزوّد بحلول للمشاكل و منها الأكل العاطفي ، و عند تصميم برنامج إنقاص وزن يجب مساعدة الشخص على الإلتزام ببنوده ، و تقديم الدعم النفسي للاستمرار به ، لأن هذه البرامج بحاجة لفترات طويلة ، و من الصعب الالتزام بها ، ويجب تقديم الدّعم النّفسي لقبول صورة الجَسد ومُحاولة تحسينه فتقبّل الشّكل والاقتناع بوجود مُشكلة هِيَ أولى خطوات الحَل، و بعد ذلك مراجعة أهل الإختصاص و الإلتزام بالبرامج العلاجية .
ما الفرق بَين الجوع الجسدي والجوع العاطفي؟!
– الجسدي: إشارة مِن الجسم أَنّه بِحاجة إِلى طاقة يستمدّها مِن الطّعام.
– العاطفي: إشارة مِن النّفس تَحتاج إِلى راحة أَو مشاعر حُبّ وحنان، والجوع العاطفي مُفاجئ ويرتبط بالمشاعر لا بالاحتياجات الفسيولوجيّة.
لِماذا يُعاني البَعض مِن السّمنة رُغم تناولهم كمّيات محدودة مِن الطّعام؟!
نستمع كثيرًا لأَحدهم يقول: أَخي يأكل أَقل منّي بكثير ولكنّه سمين ويزداد وزنه بسرعة فما السَّبب؟! الافراط في الأَكل ليس السَّبب الدائم للسمنة إِنّما قَد تَنتج السمنة عَن:
1 – بطء عمليّات الأَيض- حرق الطّعام. 2
– خلل في الهرمونات.
3 – نوعيّة الأَكل السيّئة وليست كَمّيته.
فالسكاكر والأكل الجاهز (Fast food) يُؤدّيان للسمنة المُفرطة حتّى مع محدوديّة الكمّيات.
4 – عوامل وراثيّة مُتعلّقة بإِذابة الدّهون أَو امتصاص الجسم لها.
5 – قِلَّة النَّوم والضَّغط النّفسي.
ولكن هَل هُناك فِئات عمريّة أَكثر عرضة لهذه العلاقة؟!
نعم.
الأَطفال والمراهقون يتعرّضون للتنمّر بِسبب زِيادة الوَزن فيُؤدّي ذلك للكآبة.
أَمّا الشّباب (18-30) فالاكتئاب غالبًا هُوَ ما يُسبّب السّمنة بسبب عدم وجود فُرَص عَمل أَو تأخّر الزّواج أو أي مشاكل أخرى قد يتم التعرض لها .
الكِبار غالبًا النّساء هنّ الأَكثر تأَثّرًا بالاكتئاب بسبب زيادة الوزن خاصّة بسبب الوِلادة وتغيّر الهرمونات.
الأَكبر سِنًّا “الكهولة” الأَقل تأَثّرًا بالجانب النّفسي ولكن السّمنة قَد تُشكّل خطرًا عَلى حياتهم لذا يجب مراجعة المختصين بأسرع وقت لأن الخلل الصحي قد يؤدي لفقدان الحياة.
وما دَور الأُسرة والمُجتمع في كَسر هذه الدّائرة؟!
دور الأُسرة هُوَ تَقديم الدّعم النّفسي والعاطفي والتّشجيع بَدلاً مِن السُّخرية وتنظيم برنامج غِذائي مُتوازن وصحّي ومُتابعة تنفيذه.
أَمّا المُجتمع فعليه مُحاربة (الوصمة) وتسهيل فُرص الحركة والدّعم النّفسي ومُحاربة التّنمّر وتقديم التّشجيع وخلق ثقافة تقبّل الآخر، و هنا يجب أن يكون هناك دور كبير لوسائل الإعلام و وسائل التواصل الاجتماعي لتقديم الدعم النفسي من خلال البرامج الهادفة الموجهة .
وما الخطوة الأُولى التي ينصح الخُبراء بِها مَن يُعاني مِن الاكتِئاب والسُّمنة مَعًا؟!
أولا :الاعتراف بوجود مُشكلة وأَخذ القَرار بِمُعالجتها وعَدم الإِنكار و التهرب من حلها.
ثانيًا: طَلب المُساعدة مِن ذوي الاختصاص لتقييم الحالة نَفسيًّا وبدنيًّا مَعًا و الالتزام بالبرامج العلاجية .
وفي الخِتام فإِنّ كِلا الحالتين السّمنة والاكتِئاب هُما حالتان مرضيّتان لا يجب السّكوت عنهما ويجب مُعالجتهما بالسرعة المُمكنة وبشتّى الطُّرق .
والطّريقة المثاليّة لشخص ما قَد تكون غير ناجحة مَع شخص آخر لذا أَنصح باستشارة ومراجعة المُختصّين وعدم نمذجة تجارب الآخرين، لأن ما نجح مع شخص من علاج قد لا ينجح مع غيره .