الاستثمار في رأس المال البشري استراتيجية مقترحة لاستعادة العقول المصرية المهاجرة عبر ‘الجنسية الضريبية’ المشروطة

1٬274

 

المرفأ…في خضم المعركة التنموية التي تخوضها مصر، هناك ثروة هائلة مهاجرة، ليست ثروة من الذهب أو النفط، بل ثروة من العقول والكفاءات، أطباء بارزون، ومهندسون مبدعون، وعلماء حصدوا جوائز عالمية، وخبراء اقتصاد ومالية في أكبر البنوك العالمية، هؤلاء هم رأس المال البشري ، الذي تشكل هجرته نزيفاً مستمراً للطاقات والإمكانيات التي دفع المجتمع ثمن تعليمها وتدريبها ثم حرم من عوائد استثمارها لكن هذا بالضرورة نهاية المطاف، بل يمكن أن يتحول إلى أعظم فرصة للاستثمار العكسي إذا ما تمت إدارته بذكاء واستراتيجية غير تقليدية، استراتيجية لا تعتمد على استجداء العودة، بل على بناء شراكة مربحة للطرفين، من خلال مفهوم “الجنسية الضريبية المشروطة”، الذي يحول الاغتراب من قطع للصلة إلى جسر للعطاء

الفكرة ببساطة هي أن تقدم مصر لعقولها المهاجرة، خاصة من يحملون جنسيات أخرى أو إقامات دائمة في دول متقدمة، حزمة من الحوافز الاستثنائية، أهمها إعفاء ضريبي جزئي أو كلي على دخولهم التي يحققونها من خارج مصر، لمدة محددة قابلة للتجديد، مقابل التزامهم باستثمار جزء من وقتهم وخبراتهم ومدخراتهم داخل الوطن هذا لا يعني أن يتركوا وظائفهم ويعودوا بشكل دائم، بل أن يصبحوا “مواطنين اقتصاديين” فاعلين، يشتركون في المشاريع الوطنية عن بعد، يستثمرون في الشركات الناشئة التكنولوجية، يقدمون الاستشارات للمؤسسات الحكومية والخاصة، ينقلون أحدث المعارف والتقنيات، ويدربون الكوادر الشابة عبر منصات رقمية، بل ويمكن أن يقضوا فترات عمل قصيرة في مصر خلال إجازاتهم

هذه الاستراتيجية تحول العقل المهاجر من خسارة صافية إلى أصل منتج، فبدلاً من أن يقتصر دوره على تحويل بعض العملة الصعبة التي قد لا تعكس القيمة الحقيقية لكفاءته، يصبح شريكاً في التنمية، ناقلاً للتقنية، وجاذباً لاستثمارات أجنبية من خلال شبكة علاقاته الدولية الأهم من ذلك، أنها تحل إشكالية الخوف من العودة، حيث يخشى الكثير من المهاجرين من فقدان مكاسبهم المالية أو التقدم الوظيفي الذي حققوه بالخارج إذا ما عادوا إلى بيئة قد لا توفر نفس المستوى من الدخل أو الفرص، فهاهي الدولة تمنحهم الفرصة للمساهمة دون التضحية بمكاسبهم

التطبيق العملي يتطلب إنشاء منصة وطنية مسجلة لهؤلاء “المستثمرين بالكفاءة”، تمنحهم بطاقة مميزة تخولهم لجميع هذه المزايا، مع وجود آلية لتقييم مشاركتهم وتأثيرها على الاقتصاد القومي، لضمان أن تكون الشراكة حقيقية ومثمرة في النهاية، هذه الرؤية هي انتصار للواقعية والبراغماتية، فالعالم أصبح قرية صغيرة، والولاء لم يعد مرتبطاً بالوجود الجغرافي الدائم، بل بالانتماء الفعال والقدرة على العطاء من أي مكان مصر غنية بعقولها، سواء كانت على أرضها أو ارض دولة اخرى هذه العقول هو أعظم استثمار في المستقبل، لأنه يستثمر في الثروة الوحيدة التي لا تنضب، وهي ثروة المعرفة والإبداع.

بقلم الدكتور:احمد صفوت. السنباطي بمحكمة النقض

 

قد يعجبك ايضا