العباءة الزائفة… مأساة التناقض الإنساني بقلم د. إيمان فوزي
المرفأ….كثير من الناس يعيشون حياتهم متلفّعين بعباءة زائفة يخفون تحتها حقيقتهم ويظهرون للآخرين بما يريدون أن يظنوه فيهم، عباءة تُنسَج بعناية لتُغطّي الضعف وتُظهر قوة مصطنعة ولتُخفي هوى النفس وتُبرز صلاحًا زائفًا، يرتديها الإنسان فيُخدع بها من حوله غير أنه في الحقيقة يخدع نفسه قبل أي أحد، والمصيبة أن أول من يكتشف زيف هذه العباءة هم الأقربون الذين يجاورونه ويعرفون تفاصيله، أما البعيدون فقد يُخدَعون زمنًا لأنهم لا يرونه إلا من وراء ستارها، لكن القريبين ينكشف لهم وجهه الحقيقي مع مرور الوقت فتنهار الثقة وتتشقق العلاقات وتُزرع الخيبة في القلوب فيدمر غيره قبل أن يُدمِّر نفسه، والحق أن هذه العباءة مهما بدت محكمة النسج فإنها لا تُضلّل إلا البشر، أما الله سبحانه وتعالى فلا تخفى عليه خافية فهو وحده صاحب الحساب وهو العليم بما تُبطن القلوب وما تُظهره الألسنة، قد تُغري العباءة أعين الناس بمظهرها لكنها لا تحجب الإنسان عن بصر الله ولا تغيبه عن علمه، ويبقى السؤال: هل خُلق الإنسان بهذه العباءة؟ الرضيع لا يعرف الزيف ولا التمثيل يضحك إذا فرح ويبكي إذا تألم وتبدو على وجهه علامات الجوع أو العطش بوضوح لا لبس فيه، بل حتى في أبسط حاجاته الجسدية لا يعرف التجمّل ولا المداراة فيُظهرها بطبيعته الفطرية البسيطة أمام الناس بلا حرج ولا تكلّف، إنه يعبر عمّا في داخله كما هو بلا أقنعة ولا تصنّع، فمتى يبدأ الإنسان إذن في التغيّر؟ متى يتعلم أن يخفي ما بداخله أولًا بدافع التجمّل ثم شيئًا فشيئًا حتى يبلغ مرتبة النفاق؟ إنها رحلة مؤلمة من صفاء الفطرة إلى ظلمة التناقض، فالعباءة ليست جزءًا من الخِلقة بل هي ثوب ينسجه الإنسان بيديه حين يكبر فيُرهق به روحه ويُثقل جسده ويطارد صورته المصطنعة في الخارج بينما حقيقته تلاحقه من الداخل، لذلك فإن إثقال الكاهل بها عبث لا طائل منه فما دام الحساب بيد الله وحده فالجدير بالإنسان إن قَبِل أن يلقى ربَّه بأفعاله أن يُواجه بها الناس أولًا وألا يجعل خوفه من البشر أعظم من خوفه من خالقه، فلنُسقِط هذه الأثواب الثقيلة ولْنَعُد كما خُلقنا بوجه واحد بروح واحدة بصدق لا يعرف ازدواجًا، عندها فقط يُسترد السلام المفقود ويُستعاد صفاء الخِلقة الأولى، فلا نجاة بغير الصدق، ولا حياة بغير مواجهة الحقيقة. اللهم ارزقنا الصدق في السرّ والعلَن ولا تكلنا إلى عباءة تُضلّلنا عن حقيقتنا