غزة واتفاقية السلام: انتصار الإرادة العربية والإسلامية وبداية مرحلة تنمية شاملة في المنطقة
المرفأ…بقلم المستشار عارف علي راشد العبار
شهدت الساحة الدولية خلال الأسابيع الماضية تحولًا استثنائيًا في مواقف العديد من الدول، وعلى رأسها الدول العربية والإسلامية، في مواجهة العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة. ومع توقيع اتفاقية السلام الأخيرة، بدا واضحًا أن الإرادة السياسية العربية، وعلى رأسها الأردنية، قد لعبت دورًا محوريًا في حشد الجهود وتوجيه البوصلة الدولية نحو إنهاء العدوان وإنصاف الشعب الفلسطيني الأعزل.
لقد مثلت الوقفة العربية والإسلامية، بكل مستوياتها الشعبية والرسمية، صوتًا واحدًا ضد آلة البطش والقتل التي حصدت أرواح الآلاف من الأبرياء، ودمرت البنية التحتية الهشة للقطاع المحاصر منذ سنوات. وشكل الدعم غير المحدود من دول كالسعودية، وقطر، والإمارات، ومصر، بالإضافة إلى مواقف عدد من الدول الشقيقة والصديقة، نقطة تحول حقيقية في المسار السياسي والأخلاقي للقضية الفلسطينية، وأعادت الاعتبار للبعد الإنساني في التعامل الدولي مع المظلومين.
وقد برز الدور العربي بشكل خاص، في المحافل الدولية، من خلال التحركات الدبلوماسية المكثفة والتصريحات الواضحة، التي حملت المجتمع الدولي مسؤولياته الأخلاقية والقانونية، وطالبت بوقف فوري للعدوان ورفع الحصار الجائر عن القطاع.
من جهة أخرى، ساهمت جهود عربية جبارة، لا سيما من دولة الإمارات العربية المتحدة، في دفع مسارات التهدئة ميدانيًا، من خلال إرسال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى أهالي غزة، وفتح الجسور الإغاثية والطبية، وهو ما ساعد على التخفيف من آثار الكارثة الإنسانية، وأعاد الأمل في إمكانية بزوغ فجر جديد لأهالي القطاع.
كذلك لم تكن الجهود الدبلوماسية بمعزل عن تلك التطورات؛ فقد لعبت كل من مصر وقطر وتركيا دورًا مركزيًا في مفاوضات التهدئة، مستفيدتين من علاقاتهما الإقليمية والدولية المتشعبة، ما ساعد على صياغة أرضية تفاهم مشترك أدت إلى وقف إطلاق النار والبدء بمحادثات سلام جديدة.
أما على الصعيد الدولي، فقد كانت مشاركة الرئيس الكوبي والرئيس الباكستاني في جلسات الأمم المتحدة الداعمة لغزة، إلى جانب عشرات القادة العالميين، بمثابة رسالة واضحة بأن القضية الفلسطينية لم تعد حكرًا على الإقليم، بل قضية عالمية تتطلب تحركًا جماعيًا جادًا.
كما لعبت الأمم المتحدة دورًا لا يستهان به في التنديد بالعدوان الإسرائيلي، رغم التحديات السياسية المعتادة داخل مجلس الأمن. إلا أن حجم التضامن الدولي، هذه المرة، فرض نفسه بقوة، وجعل من استمرار العدوان خيارًا مكلفًا لإسرائيل على مختلف الأصعدة.
تتزامن هذه التطورات مع بداية الحديث الجاد عن مرحلة ما بعد العدوان، حيث تبرز أهمية استثمار المواقف الموحدة في بناء خطة تنمية شاملة لغزة، تشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بدعم عربي وإسلامي ودولي واسع.
فإعادة إعمار غزة لن تكون مجرد مشروع بنى تحتية، بل يجب أن تكون مشروع نهوض متكامل، يستهدف الإنسان الفلسطيني أولًا، ويعزز صموده، ويعيد له الأمل بالحياة والكرامة والاستقرار.
لقد أثبتت هذه المحنة، كما في كل مرة، أن إرادة الشعوب لا تُقهر، وأن صوت الحق إذا ما اجتمع خلفه الأحرار، فإنه ينتصر ولو بعد حين حيث لعبت الدول العربيه دور مهم في تعزيز السلام العادل والمستدام في المنطقة،
إن هذا النصر السياسي والمعنوي والدبلوماسي لا يعني نهاية الطريق، بل بداية جديدة تُبنى على وحدة الصف، وتعزيز التعاون، وبناء مستقبل تنموي يرتقي إلى تضحيات الشعب الفلسطيني، ويؤسس لشرق أوسط جديد، أكثر عدلًا واستقرارًا وازدهارًا.