كيف يمكن لمصر أن تلعب دور المُوازِن الذكي في عالم متعدد الأقطاب في عالم يئن تحت وطأة تحولات
المرفأ…جيوسياسية عميقة، لم تعد القوة الحقيقية للدول تقاس بقدرتها على الانحياز، بل بقدرتها على تحقيق التوازن في هذه اللحظة التاريخية الفريدة، حيث تتصارع أقطاب متعددة على الساحة الدولية، تطل مصر من موقعها الأبدي كحلقة وصل بين الشرق والغرب، بين العالمين العربي والإفريقي، بين المتوسطي والإسلامي إنها اللحظة التي يمكن أن تتحول فيها مصر من دولة تبحث عن حليف، إلى دولة يبحث عنها الجميع كوسيط وحَكَم وموازن ذكي الصورة تبدأ في القاهرة، حيث تلتقي السفارات من جميع الأقطاب تحت سماء واحدة، كل منها يبحث عن دور لمصر في استراتيجيته لكن مصر الذكية لا تبيع ولاءها، بل تبيع حكمتها إنها تشبه قبطاناً ماهراً يُبحر بسفينته في بحر هائج، يستخدم التيارات المتعارضة ليدفع سفينته إلى الأمام، لا ليغرق مع أحدها المفتاح الأول يكمن في فهم أن القوة لم تعد مركزية، بل توزعت بين واشنطن التي تحاول الحفاظ على إرثها، وبكين التي تتصاعد بقوة اقتصادية هائلة، وموسكو التي تعتمد على مواردها ومناوراتها، وتكتلات إقليمية صاعدة مصر الذكية هي التي تستطيع أن تتعامل مع الجميع دون أن ترتهن لأحد تخيل مصر كجسر، لا كحاجز جسر للاستثمارات الصينية في إفريقيا، جسر للحوار الروسي الأمريكي على أرض محايدة، جسر لشراكات أوروبية في مجال الطاقة قناة السويس ليست مجرد ممر مائي، بل هي نموذج مصغر لدور مصر الجميع يحتاج إليها، والجميع يدفع ثمن عبورها، والجميع يحترم حيادها لكن الموازن الذكي ليس وسيطاً سلبياً، بل هو لاعب نشط يصنع التحالفات المرنة حسب الملف وليس حسب العواطف في ملف غاز شرق المتوسط، يمكن لمصر أن تكون منصة للحوار بين تركيا وإسرائيل وقبرص واليونان في ملف الأمن في الساحل الإفريقي، يمكنها أن تقدم معرفتها الأمنية لأوروبا بينما تقدم مشاريعها التنموية لإفريقيا في الملف النووي الإيراني، يمكنها استضافة الحوارات كطرف محايد يهمه استقرار المنطقة كلها السر ليس في اختيار طرف ضد طرف، بل في خلق مساحات مشتركة تخدم المصالح المصرية أولاً عندما تبني مصر محطة للطاقة النووية مع روسيا، وتفتح منطقة صناعية مع الصين، وتطور برامج تدريب عسكري مع الولايات المتحدة، وتوسع علاقاتها الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، فإنها لا تناقض نفسها، بل تبني شبكة مصالح متشابكة تجعل من المستحيل على أي طرف أن يخسرها، أو أن تخلت هي عنه الموازن الذكي يعرف أن قوته تكمن في كونه ضرورياً للجميع يعرف كيف يستخدم حق النقض في المحافل الدولية ليس بدافع العناد، بل بدافع حساب الربح والخسارة يعرف متى يرفع صوته ومتى يصمت، متى يظهر قوته ومتى يخفيها النموذج المصري الفريد القائم على عمق تاريخي، وموقع جيواستراتيجي لا يتكرر، وسكان يشكلون ثقلاً ديموغرافياً، وقيادة تحظى باحترام عالمي، كلها أوراق يمكن أن تتحول إلى أدوات موازنة ذكية في النهاية، مصر التي تتقن فن الموازنة لن تكون تابعاً في نظام عالمي جديد، بل ستكون واحدة من مهندسيه ستكون الدولة التي لا تنتظر أن يتشكل العالم حولها، بل تشكل هي عالمها الخاص، حيث تتعايش المصالح المتعارضة، ويتحول التنافس إلى فرص، والصراع إلى تعاون هذه ليست استراتيجية انتهازية، بل هي فلسفة وجود لدولة تعلمت من آلاف السنين أن البقاء ليس للأقوى دائماً، بل للأذكى والأكثر مرونة