نجم في المرآة أحمد فهمي… إنسان لا يُشبه إلا نفسه
المرفأ…بقلم د. إيمان فوزي
أكتب عنه لأن البساطة في زمن التصنّع أصبحت بطولة من نوعٍ آخر. أراه إنسانًا على طبيعته، لا يتكلّف في حديثه ولا يتصنّع حضوره، يتكلم كما يشعر ويبتسم كما يطيب له من غير محاولة لإبهار أحد. في ملامحه صدق لا يحتاج إلى تبرير، وفي حضوره هدوء لا يتكلفه. هو من أولئك الذين يولدون بسلام داخلي يجعلهم يعيشون الحياة ببساطة، من غير ادّعاء ولا رغبة في لفت الانتباه. أحمد فهمي من القلائل الذين ظلّوا كما هم رغم الشهرة، فلم تغره الأضواء ولم تُفسد طبيعته. ما زال يشبه الناس الطيبة التي تقابلها في حياتك مرة فتبقى في ذاكرتك، الناس الذين يضحكون بصدق ويغضبون بصدق ويتعاملون بالفطرة لا بالمصالح. هو شخص بسيط إلى حدٍّ يجعل البعض يسيء فهمه، ربما لأن العالم اليوم لا يصدّق أن البساطة ما زالت ممكنة، فمن يراه يتحدث بعفوية يظنه غير مهتم، ومن يراه يمرّ فوق الخلافات يظنه باردًا، بينما هو فقط لا يُحب التعقيد ولا المبالغة. في العلاقات الشخصية يحدث كثيرًا أن يُساء فهم أمثاله، فالشخص البسيط الذي يسعى إلى راحة من يحبّه قد يبدو وكأنه غير متفاعل أو بارد المشاعر، بينما هو في الحقيقة يحاول أن يريح الطرف الآخر وألا يضغط عليه أو يثقله بطلبٍ أو عتاب. هو أيضًا لا يحب المظاهر ولا الزحام، وعبّر عن ذلك ببساطة في أحد لقاءاته قائلًا: «ما بحبّش أروح الساحل، أحب أروح دهب أو نويبع، بحبّ الحاجات الحقيقية والناس الحقيقية. ليه أقعد على البحر ألاقي ساعات رولكس وفول ميك أب؟ إحنا رايحين نصيّف، فنلبس أي حاجة.» كلماته العفوية تلخّص فلسفته كلها: هو لا يبحث عن الصورة، بل عن المعنى. يريد أن يعيش الحياة كما هي، لا كما تُعرَض على الشاشات. يرتاح بين الوجوه البسيطة التي لا تتصنّع، ويجد نفسه حيث لا أحد يراقب أحدًا. أراه رجلًا خيرًا بالفطرة، لا يتحدث عن طيبته ولا يستعرضها. يفعل المعروف في صمت ويقدّم المساعدة من غير انتظار شكر، فيه نبلٌ هادئ لا يعلنه لكنه يُرى في تصرّفاته البسيطة. وفي صداقته للفنان أحمد السقا تأكيد على معدنه الأصيل، فكما يُقال: «المرء على دين خليله»، ومن يعرف السقا يدرك أنه لا يقرّب إلا الجدعان أصحاب الأصل، فمحبّة السقا له شهادة في حقّه لا تحتاج إلى تعليق. ولا يمكن الحديث عن أحمد فهمي دون ذكر عائلته «الفهماوية»، عائلة مصرية أصيلة جمعت بين العلم والرقي، وبين الوعي والجدعنة، بيت تربّى على الأصول واحترام الناس. خرج منه أحمد وكريم فهمي، كلاهما يحمل في شخصيته مزيجًا من الذكاء والصدق وخفة الدم المصرية التي لا تُصنع. أحمد فهمي بسيط حدّ العبقرية، صادق حدّ الهدوء، ونجوميته في إنسانيته لا في شهرته، إنه من القلائل الذين لم تغيّرهم الأضواء وظلّوا كما خُلِقوا: طبيعيّين، صادقين، وأحياء بالفطرة. في زمنٍ يزدحم بالادعاء، يظل أحمد فهمي نموذجًا نقيًّا لإنسانٍ اختار أن يبقى نفسه.