العين العماوي تكتب: مؤشر السعادة في الأردن.. هل تنجح التحديثات في رفع جودة حياة المواطنين؟

3٬289

 

“الأردن في مؤشر السعادة..التحديات والفرص لتحقيق جودة حياة أفضل

 

المرفأ…كتب. العين د. عبلة العماوي مقالاً حمل عنوان “ماذا يخبرنا مؤشر السعادة في الأردن عن واقع التحديث ومستقبل رفاه المواطن”، قالت فيه إن مؤشر السعادة العالمي يمثل أداة هامة لفهم مستوى الحياة وجودة الخدمات العامة التي يحصل عليها المواطن.

وأشارت في مقالها: بينما يتنافس العالم لتحسين رفاه مواطنيه، جاء مؤشر السعادة لعام 2024 ليضع الأردن في المرتبة 128 من أصل 143 دولة، ما يعكس تحديات كبيرة تواجه الاقتصاد الأردني، بما في ذلك ارتفاع البطالة وارتفاع تكلفة المعيشة، مما ينعكس سلبًا على مستوى رضا المواطنين.

وتالياً نص المقال كاملاً:

في الوقت الذي تتنافس فيه الدول لتعزيز رفاه شعوبها، يبرز مؤشر السعادة العالمي كأداة مهمة لفهم حياة المواطنين ورضاهم عن مستوى معيشتهم وجودة الخدمات العامة.

هذا المؤشر لا يقيس السعادة كمفهوم عاطفي فقط، بل يعتمد على ستة مؤشرات رئيسية، هي: الناتج المحلي للفرد، أي القدرة الاقتصادية والمعيشية؛ الدعم الاجتماعي، والذي يعكس وجود شبكة مساندة في أوقات الحاجة؛ متوسط العمر الصحي المتوقع، أي جودة الصحة والحياة؛ الحرية في اتخاذ القرارات، ودرجة التحكم في مسار الحياة؛ التكافل الاجتماعي والمشاركة المجتمعية، أي العطاء والتضامن؛ ومدى الفساد والثقة بالمؤسسات، والتي تعكس شفافية وفاعلية الدولة.

تشير بيانات عام 2024 إلى أن الأردن حلّ في المرتبة 128 من أصل 143 دولة بمعدل 4.2/10، وهو انخفاض عن معدلاته في السنوات السابقة التي تراوحت بين 5.4 و5.7 في 2012–2014، وعند تحليل المؤشرات الفرعية، يظهر أن الناتج المحلي للفرد منخفض مقارنة بدول الجوار، مع تأثيرات واضحة للبطالة المرتفعة وارتفاع تكلفة المعيشة.

أما الدعم الاجتماعي فهو متوسط، مستندًا إلى شبكات عائلية قوية، إلا أن ضعف أنظمة الحماية الرسمية يحد من تأثيره. وفي الصحة، تُعد الخدمات جيدة نسبيًا، لكن النظام الصحي يواجه ضغوطًا متزايدة نتيجة النمو السكاني واستضافة اللاجئين. الحرية في اتخاذ القرارات محدودة، نتيجة القيود الاقتصادية والإدارية، بينما التكافل الاجتماعي والمشاركة المجتمعية متوازنة، لكن الاقتصاد الضاغط يقلل من القدرة على العطاء الرسمي. أما الثقة بالمؤسسات فهي الأضعف حسب التقرير، وتعكس تحديات مستمرة في الشفافية ومكافحة الفساد.

على الصعيد الإقليمي، تتقدم دول الخليج العربي مثل الإمارات بمعدل 6.6 والسعودية 6.4 وقطر 6.5 بفضل الثروات الاقتصادية والبنية التحتية المتقدمة وارتفاع الثقة بالمؤسسات. الأردن يبقى في موقع متوسط إقليميًا، أفضل من لبنان التي تعاني من انهيار مؤسسي حاد، لكنه أقل من مصر التي تحقق معدل 4.6. تاريخيًا، تظهر اتجاهات السعادة في الأردن تراجعًا نتيجة ضغوط اقتصادية، وجائحة كورونا، وأزمات سياسية واجتماعية محدودة، ما يبرز الترابط الواضح بين المؤشر والظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يعيشها المواطن.

يمكن فهم مؤشر السعادة كمرآة تعكس نجاح التحديثات السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية في الأردن. التحديث الاقتصادي ضمن رؤية التحديث الاقتصادي 2023–2033 يستهدف خلق مليون فرصة عمل وتحسين مستوى المعيشة، إلا أن النجاح يقاس بما يشعر به المواطن في حياته اليومية. التحديث السياسي يرفع شعور المواطن بالحرية والمشاركة والمساءلة، ويعزز الثقة بالمؤسسات. أما تطوير القطاع العام وتوسيع الحماية الاجتماعية، فيهدف إلى مكافحة الفساد وتحسين جودة الخدمات، مما يرفع مستويات الأمن الاجتماعي ويقوي الثقة بالمؤسسات.

يستهدف محور جودة الحياة في رؤية التحديث الاقتصادي تحسين التعليم، والصحة، والسكن، والنقل، والثقافة، وهي جميعها عناصر رئيسية لمؤشر السعادة. ويكمن التحدي في أن يشعر المواطن بتحسن ملموس في تفاصيل حياته اليومية، سواء في الحصول على الخدمات أو في الفرص الاقتصادية أو في الشعور بالعدالة والمشاركة.

إن تنفيذ هذه السياسات بشكل متكامل سيعزز إحساس المواطن بالاستقرار والتكافل الاجتماعي والإنصاف، وهي عوامل السعادة الحقيقية في المجتمعات. فالسعادة لا تُقاس بالمؤشرات الرقمية فقط، بل بالثقة في المستقبل ومدى شعور المواطن بأن صوته مسموع وأن الدولة إلى جانبه.

في الخلاصة، إن مؤشر السعادة ليس مجرد أرقام، بل أداة قياس حقيقية لنجاح الدولة في ترجمة التحديثات إلى واقع ملموس يشعر به الناس في حياتهم اليومية. وإذا ما استكملت الأردن تحديثاتها السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية بالوتيرة الصحيحة، فإن انعكاس ذلك على سعادة الأردنيين سيكون مؤكدًا، ليس فقط في الترتيب العالمي، بل في إعادة بناء الثقة والأمل والرضا الوطني.

قد يعجبك ايضا