الجهود المصرية نحو تحقيق الاستقرار بمنطقة الشرق الاوسط
المرفأ…بقلم الدكتور:احمد صفوت السنباطي
تدفع مصر، بحكم ثقلها التاريخي وموقعها الجيواستراتيجي الفريد، بثبات لتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط المتأججة، مدركةً أن أمنها القومي مرتبط عضويًا بأمن واستقرار محيطها الإقليمي لا تنظر الدبلوماسية المصرية إلى الأزمات المتشابكة في المنطقة كحرائق منعزلة، بل كحلقات في سلسلة واحدة، مما يستدعي مقاربة شاملة تتعامل مع جذور التوتر لا مع أعراضه فحسب ومن هذا المنطلق، تتبنى مصر استراتيجية متعددة المستويات، تتراوح بين الوساطة المباشرة في النزاعات الدموية، وبناء تحالفات إقليمية لمواجهة التحديات المشتركة، والعمل على إعادة رسم المعادلة السياسية في الملفات العالقة.
في قلب هذه الجهود تقف قضية فلسطين، التي تظل البوصلة المركزية للسياسة المصرية لم تكن الوساطة المصرية في جولات التصعيد المتكررة بين حماس وإسرائيل مجرد دور إطفائي، بل كانت محاولة استباقية لمنع انفجار الوضع في غزة من تقويض أي فرصة للسلام، وحماية الأمن القومي المصري من تبعات هذا الانفجار تدرك القاهرة أن القضية الفلسطينية هي البيئة الخصبة لتصاعد التطرف وعدم الاستقرار، وبالتالي فإن أي حل جذري لأزمات المنطقة يمر حتمًا عبر إحياء عملية السلام على أساس حل الدولتين، وهو المبدأ الذي تدفع به في كل المحافل الدولية.
على الجبهة الليبية، لعبت مصر دورًا محوريًا في محاولة رأب الصدع بين الأطراف المتصارعة، لا بدافع الحفاظ على حدودها الغربية فحسب، بل لإيقاف نزيف الدولة الليبية الذي يهدد بتمدد الجماعات المسلحة وتصاعد موجات الهجرة غير الشرعية، مما يجعل ليبيا قنبلة موقوتة تهدد أمن البحر المتوسط بأكمله دعمت مصر المسار السياسي ورفضت الحلول العسكرية، مسخرة نفوذها لخلق توازن قوى يدفع الأطراف نحو طاولة المفاوضات بدلاً عن ساحة المعركة.
في المحيط الأوسع، تعمل مصر على بناء شبكة معقدة من التحالفات الإقليمية لمواجهة ما تراه تهديدات وجودية لم يكن التنسيق الوثيق مع دول مثل الإمارات والسعودية والأردن مجرد محاور تكتيكية، بل كان إطارًا استراتيجيًا لخلق قطب إقليمي معتدل قادر على موازنة النفوذ التركي والإيراني المتنامي، والتصدي لاستراتيجيات الهيمنة التي تزعزع استقرار المنطقة يعكس إنشاء “منتدى غاز شرق المتوسط” هذا التوجه، حيث تحولت الموارد الطبيعية من عنصر للصراع إلى أداة للتعاون الإقليمي وتنمية المصالح المشتركة.
غير أن هذه الجهود تواجه تحديات جسامًا. فتعقيدات الصراعات الداخلية في دول مثل سوريا واليمن، والانقسامات العميقة داخل الجسم العربي نفسه، والتدخلات الدولية ذات الأجندات المتضاربة، كلها عوامل تقيد من قدرة أي لاعب إقليمي، بما فيه مصر، على فرض الاستقرار بمفرده بالإضافة إلى ذلك، فإن الأولوية القصوى للأمن القومي المصري قد تدفع بالقاهرة في بعض الأحيان إلى تبني سياسات حذرة تفضل الاحتواء على المغامرة، مما يعرضها لانتقادات بعدم الفاعلية الكافية.
رغم هذه التحديات، تظل مصر حجر الزاوية في أي معادلة استقرار إقليمي فهي تمتلك مقومات القوة الناعمة من تاريخ ودين وثقافة، إلى جانب القوة الصلبة المتمثلة في جيش نظامي هو الأقوى في المنطقة ان الدبلوماسية المصرية، التي تتسم بالصبر والبراغماتية، تدرك أن بناء الاستقرار هو عملية تراكمية وليست حدثًا منفردًا النجاح ليس مضمونًا، لكن الفشل في المحاولة هو خسارة لا تتحملها مصر ولا المنطقة ومستقبل الشرق الأوسط سيتحدد، إلى حد كبير، بقدرة مصر على قيادة هذه الجهود الشاقة، وقدرة شركائها على رؤية مصلحتهم في استقرارها.