مستقبل غزة بين وعد القمة وتحديات الواقع

3٬296

 

المرفأ…بقلم الدكتور أحمد صفوت السنباطي
تمثل قمة شرم الشيخ لحظة فارقة في المسار السياسي لقضية غزة، حيث تجسّدت محاولة دولية لتحويل الملف من دائرة الصراع العسكري إلى إطار التفاوض السياسي والاستقرار الإقليمي هذه القمة لم تكن حدثاً إنسانياً فحسب، بل كانت تعبيراً عن رؤية جيوسياسية تهدف إلى احتواء التوترات التي تهدد الأمن القومي للدول المجاورة والمصالح الغربية في المنطقة الوعد الدولي بإعمار غزة يأتي في إطار معادلة سياسية معقدة، حيث تسعى الأطراف الدولية والإقليمية إلى تحقيق توازن دقيق بين ضمان أمن إسرائيل من ناحية، ومنع انفجار الأوضاع في القطاع من ناحية أخرى.
التحليل السياسي لهذه التطورات يكشف أن الدول المانحة تتعامل مع غزة كملف إدارة أزمات أكثر من كونه مشروع تنمية حقيقية التمويل المعلن يرتبط بشروط سياسية واضحة، أهمها نزع سلاح الفصائل الفلسطينية وضمان هدوء طويل الأمد، وهو ما يشكل إشكالية سياسية داخلية تعيق عملية المصالحة الفلسطينية من الواضح أن هناك رغبة إقليمية ودولية في تحويل غزة إلى كيان مستقر اقتصادياً لكن منزوع السلاح، مما يضمن تحييدها كبؤرة للتوتر دون منحها مقومات السيادة الكاملة.
التحدي السياسي الأكبر يتمثل في التعامل مع تناقض المصالح بين الأطراف المختلفة إسرائيل تريد أماناً بدون تكلفة سياسية، والفلسطينيون يريدون دولة بدون تنازلات، والمجتمع الدولي يريد استقراراً بدون تدخل جذري هذا المثلث المستحيل يجعل من عملية الإعمار رهينة للمساومات السياسية، حيث يتم ربط إطلاق المشاريع التنموية بتقدم المفاوضات السياسية، وهو ما يضع القطاع في دائرة مفرغة من الوعود غير المنجزة.
السياق الإقليمي المتغير يلعب دوراً محورياً في تحديد مصير غزة والتطبيع المتسارع بين إسرائيل ودول عربية عدة خلق واقعاً جديداً، حيث لم تعد القضية الفلسطينية تحتل الأولوية المطلقة في السياسة العربية هذا الازدحام في الأولويات جعل من غزة عبئاً على النظام الإقليمي الناشئ، مما دفع إلى البحث عن حلول تكنوقراطية لمشكلة سياسية الدعم المالي الخليجي لإعمار غزة يأتي في إطار هذا التحول، حيث تسعى هذه الدول لتحقيق استقرار إقليمي يخدم مصالحها الاقتصادية والأمنية.
المستقبل السياسي لغزة سيتحدد بناءً على قدرة الفاعلين المحليين والدوليين على تجاوز النموذج التقليدي في إدارة الأزمة النجاح سيتطلب مقاربة جديدة تعترف بأن الاستقرار الدائم لن يتحقق من خلال المساعدات المالية فقط، بل من خلال حل سياسي حقيقي يمنح الفلسطينيين كرامة وحقوقاً واضحة الفشل في تحقيق هذه المعادلة سيعني العودة إلى الحلقة المفرغة من العنف والدمار، وهو ثمن لا تتحمله غزة فقط، بل المنطقة بأكملها

قد يعجبك ايضا