القيادة بعيون علم النفس… مهارة تُكتسب لا تُولد

2٬389

المرفأ…في ظل ما يشهده العالم من تحولات سريعة وتحديات متصاعدة، تبرز “القيادة” كعنصر حيوي لا غنى عنه في إدارة الأزمات، وتحقيق الأهداف، وبناء المجتمعات الفعالة. وبينما يتخيل البعض أن القيادة موهبة فطرية يولد بها الإنسان، يؤكد علم النفس أن القيادة مهارة يمكن اكتسابها وتطويرها، عبر الفهم والتعلم والممارسة المستمرة.
علم النفس والقيادة: ثلاث زوايا للفهم
يُدرس علم النفس القيادة من ثلاث نظريات أساسية، تمنح فهماً شاملاً لطبيعة القائد وطرق تأثيره على الآخرين:
النظرية السلوكية: تركز على سلوك القائد الظاهر، وكيف يؤثر أسلوبه في التواصل واتخاذ القرار على أداء فريق العمل.
النظرية المعرفية: تتناول طريقة تفكير القائد، وتحليله للمواقف، وقدرته على اتخاذ قرارات رشيدة مبنية على تقييم ذكي للمعطيات.
النظرية الاجتماعية: تدرس طبيعة العلاقات بين القائد وفريقه، ومدى تأثير التفاعل الإنساني والثقة المتبادلة في تحقيق الأهداف المشتركة.
ويجمع علماء النفس على أن القيادة ليست حكراً على فئة دون أخرى، ولا مقتصرة على مجال دون سواه، بل هي مهارة تتشكل من خلال التعلم، والملاحظة، والتجربة.
القيادة في كل المجالات
تتعدد مجالات القيادة، ولكلٍ منها طبيعة خاصة تتطلب مهارات وتحديات مختلفة. ومن أبرز هذه المجالات:
القيادة الإدارية: وتختص بإدارة المؤسسات والشركات واتخاذ القرارات التنظيمية.
القيادة السياسية: حيث تُمارس القيادة على مستوى الحكومات وصنع السياسات.
القيادة الاجتماعية: وتتمثل في قيادة المبادرات والمجتمعات نحو التغيير الإيجابي.
القيادة التعليمية: في المدارس والجامعات، لتوجيه الأجيال وصناعة المستقبل.
القيادة الرياضية: داخل الفرق والمنظمات الرياضية، لتحقيق الانتصارات وبناء الفرق.
القيادة العسكرية: في صفوف القوات المسلحة، حيث الانضباط واتخاذ القرار تحت الضغط.
وتثبت التجربة أن كل فرد يمكن أن يكون قائداً في مجاله، إذا امتلك الوعي الكافي، وعمل على تطوير نفسه بجدية واستمرارية.
ملامح القائد الفعّال من منظور علم النفس
يرى المتخصصون أن القائد الفعّال لا يُقاس فقط بعدد القرارات التي يتخذها، بل بمجموعة من السمات النفسية والسلوكية التي تعزز قدرته على التأثير والنجاح. ومن أبرزها:
الثقة بالنفس والقدرة على التواصل
التفاعل الإيجابي مع الفريق
القدرة على التفكير الاستراتيجي
إدارة الضغط والتعامل مع التوتر بذكاء
مهارة الاستماع والتعاطف مع الآخرين
التكيف مع المتغيرات المفاجئة
حل المشكلات واتخاذ المبادرات
القيادة بالقدوة وتحمل المسؤولية
الابتكار والتفكير خارج النمط التقليدي
التعلم المستمر وتطوير الذات
بناء علاقات قائمة على الاحترام والثقة
إدارة الوقت وتحقيق الأهداف
التعامل مع الفشل كفرصة للتعلم والنمو
هذه السمات لا تُكتسب دفعة واحدة، بل تُبنى مع الزمن من خلال الممارسة، والتقييم الذاتي، والرغبة في التغيير.
ختاماً… القيادة مسؤولية تبدأ من الداخل
القيادة ليست سلطة تُمارَس، بل تأثير يُبنى على الثقة والفهم والتواصل. ويشير علم النفس إلى أن القائد الناجح هو من يدير ذاته أولاً، قبل أن يدير الآخرين، ويقود من موقع القدوة لا من موقع السيطرة.
في عالم اليوم، نحن جميعاً مدعوون لأن نكون قادة في مواقعنا، مهما كانت بسيطة أو كبيرة. فالقيادة تبدأ من الداخل، وتتجسد في طريقة تعاملنا مع الآخرين، في قدرتنا على الإلهام، وفي شجاعتنا لاتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب.

 

بقلم الدكتورة سومه عبد الرازق الفيشاوي مدرس الصحة النفسية بقسم التربية، كلية الدراسات الإنسانية، جامعة الأزهر بالدقهلية

قد يعجبك ايضا