المسؤولية التأديبية للموظف الإلكتروني داخل الجهاز الإداري
المرفأ ..يُعد نظام العمل عن بُعد أحد أبرز التحولات التي يشهدها العالم الإداري في العصر الرقمي حيث بات هذا النموذج من العمل خيارًا استراتيجيًا لكثير من الدول لتقليل التكاليف وزيادة الكفاءة وتحقيق المرونة الوظيفية وفي السياق المصري بدأت بعض الجهات الحكومية في تطبيق هذا النظام تدريجيًا في ظل التحول الرقمي الذي يشهده الجهاز الإداري للدولة وهو ما يفرض تحديات قانونية جديدة من أبرزها تحديد أطر المسؤولية التأديبية للموظف الإلكتروني الذي يعمل خارج المقر الرسمي للجهة الإدارية وباستخدام وسائل إلكترونية في أداء مهامه إذ أن غياب الإشراف المباشر والتواجد الفيزيائي يثير تساؤلات حول كيفية ضبط السلوك الوظيفي ورصد المخالفات وتطبيق الجزاءات بما يتناسب مع طبيعة هذا النمط من العمل إن المسؤولية التأديبية تقوم تقليديًا على ثلاثة عناصر رئيسية هي وجود واجب وظيفي وارتكاب الموظف لمخالفة لهذا الواجب وصدور جزاء تأديبي يتناسب مع جسامة الفعل إلا أن هذه العناصر تكتسب أبعادًا جديدة في حالة الموظف الإلكتروني الذي قد يؤدي واجباته عبر شبكة الإنترنت من موقع جغرافي بعيد ولا يخضع للرقابة الفورية كما هو الحال في المكاتب الإدارية وهو ما يستدعي إعادة تعريف بعض الواجبات الوظيفية لتتناسب مع بيئة العمل عن بُعد ومن ذلك الالتزام بحضور الاجتماعات الإلكترونية في مواعيدها واحترام قواعد أمن المعلومات والالتزام بالمهام الموكلة إليه ضمن المنظومة الرقمية واحترام حدود الصلاحية الإلكترونية وعدم إفشاء البيانات أو إساءة استخدام وسائل الاتصال التي توفرها الإدارة كما أن إثبات وقوع المخالفة الوظيفية في بيئة العمل الإلكتروني يتطلب وسائل إثبات رقمية قد تشمل سجلات الدخول على النظام وسجلات البريد الإلكتروني وتقارير الإنجاز الرقمية وتواقيت التفاعل على المنصات المعتمدة وهو ما يجعل من الضروري أن تنص اللوائح الداخلية للجهات الإدارية على آلية جمع هذه الأدلة وحفظها بما يضمن صحتها القانونية وسلامة الاستناد إليها في توقيع الجزاء كما أن توقيع الجزاءات التأديبية يجب أن يكون متدرجًا ومتناسبًا مع طبيعة المخالفة المرتكبة ويُراعى فيه أن بيئة العمل الإلكتروني قد تشهد أحيانًا أعطالًا تقنية أو ضعفًا في الاتصال أو ظروفًا خارجة عن إرادة الموظف مما قد يؤثر على تقييم الأداء وبالتالي لا بد من التمييز بين التقصير الناتج عن إهمال فعلي وبين التعثر الناجم عن عوامل فنية خارجة عن السيطرة ويستلزم ذلك وضع مدونة سلوك وظيفي خاصة بالعمل عن بُعد تتضمن التزامات وحقوق الموظف الإلكتروني وآلية تقييم الأداء ومعايير الانضباط المهني وتُعد هذه المدونة مرجعًا في تحديد المسؤولية التأديبية في هذا السياق كما ينبغي على المشرع المصري إدخال تعديلات على قانون الخدمة المدنية ولوائحه التنفيذية لتغطية حالات العمل الإلكتروني بشكل صريح وتنظيم العلاقة القانونية بين الموظف وجهته الإدارية في هذا النمط من العمل بما في ذلك إجراءات التحقيق التأديبي عن بُعد وضمانات الدفاع والتظلم الإلكتروني إن المسؤولية التأديبية للموظف الإلكتروني تمثل بعدًا جديدًا في النظام الإداري المصري يتطلب مواءمة تشريعية وإدارية تضمن الحفاظ على الانضباط الوظيفي دون المساس بالمرونة التي يقتضيها العمل عن بُعد وبما يحقق توازنًا بين الكفاءة الإدارية والعدالة الوظيفية في العصر الرقمي
بقلم الدكتور أحمد صفوت السنباطي بمحكمة النقض