المسؤولية المجتمعية والمشاركة الفاعلة: ركيزة بناء المجتمعات القوية”

3٬725

المرفأ…في عالم تتسارع فيه التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، تبرز المسؤولية المجتمعية والمشاركة المجتمعية كقوتين محوريتين في بناء مجتمع متماسك، عادل، ومستدام. لم تعد التنمية مسؤولية الحكومات فقط، بل أصبحت مسؤولية مشتركة بين جميع مكونات المجتمع: الأفراد، والمؤسسات، والقطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني. وهذه الحقيقة تفرض علينا اليوم الوقوف بجدية أمام أهمية هذه المشاركة، وتحليل أدوارها وأهدافها، والدفع نحو ترسيخها كقيمة مجتمعية أصيلة.
ما هي المسؤولية المجتمعية؟
المسؤولية المجتمعية تُعنى بالتزام الفرد أو المؤسسة تجاه المجتمع الذي يعيش فيه أو تعمل ضمنه. فهي تعكس وعيًا عميقًا بأن النجاح الفردي أو المؤسسي لا يكتمل إلا من خلال إسهام إيجابي يعود بالنفع على المحيطين. ويشمل ذلك المساهمة في حل المشكلات الاجتماعية، ودعم التعليم والصحة، وحماية البيئة، وتمكين الفئات الأقل حظًا.
ليست المسؤولية المجتمعية عملًا تطوعيًا فقط، بل هي فلسفة ونهج متكامل يشمل السياسات والإجراءات، وتنعكس في سلوك الأفراد والشركات على حد سواء.
دور المشاركة المجتمعية في التنمية
المشاركة المجتمعية تعني انخراط أفراد المجتمع في تحديد احتياجاتهم، والمساهمة في اتخاذ القرار، وتنفيذ المشاريع التي تخدم الصالح العام. والمجتمعات التي تُفعّل هذا الدور بنجاح، تشهد نموًا متوازنًا واستقرارًا اجتماعيًا أوسع، لأنها تبني تنمية من القاعدة إلى القمة.
فالمواطن عندما يشعر أنه جزء من الحل، لا يكون مجرد متلقٍّ للخدمة، بل شريكًا في التنمية، مدفوعًا بالانتماء والولاء للمجتمع. وهذا ما يخلق بيئة اجتماعية صحية تعزز من قيم التعاون، والتكافل، والمساءلة.
لماذا نحتاج إلى تعزيز المسؤولية المجتمعية؟
لأن التحديات معقدة: مثل الفقر، والبطالة، والتغير المناخي، وأزمات التعليم، لا يمكن معالجتها دون تضافر جهود الجميع.
لأن التنمية الشاملة تتطلب شراكة: لا تستطيع الحكومات وحدها تنفيذ الخطط التنموية من دون دعم حقيقي من المواطنين والقطاع الخاص.
لأن بناء الإنسان لا يقل أهمية عن بناء البنية التحتية: الإنسان الواعي بمسؤوليته تجاه مجتمعه هو أساس الاستدامة.
القطاع الخاص… شريك أم متفرج؟
أثبتت التجارب العالمية أن دور القطاع الخاص لا ينبغي أن يقتصر على الربح الاقتصادي فقط، بل عليه مسؤولية أخلاقية ومجتمعية تجاه البيئة التي يربح منها. فالمؤسسات التي تتبنى المسؤولية المجتمعية، تحظى بثقة المجتمع، وتتمتع بسمعة طيبة، مما ينعكس إيجابًا على استقرارها واستمرارها.
المشاركة في المبادرات التعليمية، دعم ريادة الأعمال، تمويل مشاريع بيئية، والمساهمة في بناء المهارات – كلها أمثلة واقعية على دور القطاع الخاص الفاعل في التنمية.
نحو ثقافة مجتمعية مستدامة
لابد من غرس ثقافة المسؤولية المجتمعية في عقول النشء منذ الصغر، من خلال المناهج الدراسية والأنشطة المدرسية، كما يجب تعزيز مفهوم “المواطنة الفاعلة” في الإعلام والمؤسسات. كما أن تمكين مؤسسات المجتمع المدني وتوفير بيئة تشريعية مرنة وداعمة، يشجع على توسع المبادرات المجتمعية وتنويع مجالاتها.
خاتمة:
إن بناء المجتمعات لا يكون بجهد فردي، ولا يتحقق بالتمني. بل هو نتاج تكاتف الجميع، كلٌّ من موقعه، بدءًا من الفرد، مرورًا بالمؤسسة، وانتهاءً بالدولة. ومن هنا، فإن المسؤولية المجتمعية ليست رفاهية، بل ضرورة حتمية لمجتمع ناضج، متماسك، وقادر على مواجهة تحديات العصر بثقة واقتدار.
فلنؤمن بأن كل مساهمة، مهما بدت صغيرة، هي خطوة في طريق مجتمع أفضل.

 

بقلم: المستشار عارف راشد علي العبار

قد يعجبك ايضا