خير خلف لخير سلف
المرفأ….بقلم: نادية إبراهيم نوري
دعَتني جارتي لحضور حفل تكريم أحفادها في رياضة السباحة، والذي أقيم في نادي كلية التربية الرياضية. ما لفت انتباهي إصرار والد الأطفال على أن نغادر مبكرًا، رغم أن الحفل كان من المقرر أن يبدأ في الساعة السادسة، وما زال أمامنا وقتٌ كافٍ. وعندما سألته عن سبب استعجاله، أجاب: “حتى نتمكن من حجز مقاعد في الصفوف الأمامية!”
استغربت رده، فقد كنت أظن أن عدد الأطفال قليل، وبالتالي لن تمتلئ المدرجات. لكن المفاجأة كانت كبيرة عندما وصلنا، إذ وجدنا أن جميع المقاعد قد امتلأت بالفعل، ولم نجد سوى بعض الأماكن في الصفوف الخلفية!
ما أثار دهشتي أكثر أن كل طفل مشارك كان يرافقه جمع غفير من الأهل: الوالدان، والأجداد، والعمات، والخالات… وكأننا في مباراة عالمية، لا في مسابقة لأطفال تتراوح أعمارهم بين السادسة والعاشرة!
وكان اللافت أن بعض الحضور، من هيئتهم، يبدون كأصحاب مهن يدوية، ربما لم ينالوا حظًا كبيرًا من التعليم، ومع ذلك حضروا بكل فخر واهتمام لدعم أبنائهم وأحفادهم. أعجبت بوعيهم، وبفرحتهم البسيطة، وبفخرهم الشديد بإنجازات الصغار. فكلما دخل طفل إلى حوض السباحة، وقف أهله للتشجيع والتصفيق، والتقاط الصور، وكأنه نجم عالمي في بطولة دولية!
الأجمل من كل ذلك أن هؤلاء الآباء والأمهات تركوا أعمالهم والتزاماتهم فقط ليكونوا بجانب أبنائهم. لحظتها، أيقنت أن الأهل فعلًا يتمنون لأبنائهم مستقبلًا أفضل من حاضرهم، ويبذلون كل ما في وسعهم من أجل ذلك.
من الطبيعي أن يدعم الأبوان المتعلمان أبناءهما في التعليم والرياضة، اتباعًا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: “علِّموا أولادكم السباحة…”، ولكن ما يبعث على الفخر فعلًا، هو أن نجد هذا الحماس والدعم من أسر متوسطة التعليم أو بسيطة الحال، تسعى لبناء جيل واعٍ، مثقف، ومتميز.
غادرت الحفل وأنا أفيض سعادة وأملًا، أن جيل المستقبل يتلقى كل هذا الدعم والاهتمام، فهم عماد الوطن ونهضته.
تذكرت في هذا السياق مقولة لأبٍ كان يعاتب زوجته لأنها فضّلت شراء الطعام على شراء كتاب خارجي لابنته، فقال لها:
“نجوع ولا نحرم ابنتنا من العلم… الكتاب أهم من الطعام.”
كما حضرتني قصة أبٍ آخر، ابنته مجتهدة وطموحة، لكنها لم تحصل على المجموع الذي يؤهلها لدخول كلية الهندسة — حلمها الأكبر. فاقترحت عليه أن تلتحق بجامعة خاصة، رغم تكلفتها العالية. وعندما نصحه أحد أصدقائه بعدم المغامرة ماديًا، بحجة أن البنت “مصيرها الزواج”، رد عليه الأب بكل حسم:
“طالما أستطيع أن أُضيء لها طريق المستقبل، فلِمَ لا؟ إن تزوجت أو لم تتزوج، شهادتها سلاحها في هذه الحياة.”
إنها نماذج مشرّفة، تُعطينا الأمل بمستقبلٍ أكثر إشراقًا، وتؤكد أن مجتمعاتنا قادرة على النهوض إن آمنت بأهمية الاستثمار في الإنسان. فقد آن الأوان ألا نكتفي بالفخر بماضينا فقط، بل أن نُفاخر بحاضرنا، ونصنع مجدنا القادم