النيش وامتحان العقل الأسري بين برّ الأم وكرامة الزوجة أين يقف ميزان الحكمة ؟

3٬562

المرفأ……د. روحية مصطفى
انتشر مؤخرًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يحمل رسالة سلبية للمجتمع بصورة غير مباشرة يظهر فيه زوج يقوم بتهشيم زجاج النيش بالشاكوش.(وهو دولاب زجاجي كبير بيكون جزء من غرفة السفرة غرفة الطعام)  زاعمًا أن والدته طلبت من زوجته طبقًا من النيش فرفضت فهتف أمي ثم أمي ثم أمي ، وبعد متابعة التعليقات على المقطع وجدت للأسف أن أغلبها كانت في تأييد هذا التصرف والمفاجئ أن هذا التأييد جاء من الفتيات قبل الشباب ، في الحقيقة لم أُصدّق الفيديو أصلًا وأرجّح أن الغرض منه هو تحقيق الترند ولو على حساب ضلفة زجاج أو مشهد تمثيلي متفق عليه بين الزوجين فمثل هذه المواد أصبحت كثيرة في زمننا هذا ومجرد تصديقها بات أمرًا بعيدًا، لكن على فرض صدق الواقعة فإن تصرّف الزوج غير سديد على الإطلاق فلو أن الأم طلبت الطبق في حضوره لكان بإمكانه ببساطة أن يعطيها ما أرادت فلعل نفسها رغبت في الأكل في أطباق النيش ، أما إن كانت قد طلبته في غيابه فمن الذي أخبره الأغلب أنها الأم الكريمة وكان الأولى بها أن تتجاوز الموقف وتحمله على طبعٍ من طباع النساء في الحرص على مقتنيات النيش التي تُعد للزينة لا للاستعمال إلا من رحم ربي ، وكان من الحكمة أن تحافظ الأم على هدوء واستقرار بيت ابنها لأن نقل كل صغيرة وكبيرة بين الحماة وزوجة الابن لا يجلب إلا الفتنة ، فخلافات النساء لا تنتهي ولو تدخل الرجال فيها لفسدت البيوت ، البرّ بالأم لا يعني الانحياز الأعمى لها في كل موقف ، ولا يعني أن تتحول الغيرة الطبيعية بين النساء إلى سلاح يهدم الحياة الزوجية ، من أعظم صور البرّ أن يُحسن الابن إدارة الخلافات فيحفظ لأمه مكانتها ، ويصون لزوجته كرامتها ويمنع الشيطان أن يجد طريقًا إلى قلب أيٍّ منهما فالإحسان للأم لا يتنافى مع العدل والوفاء للزوجة لا يتنافى مع البر ، ومن جمع بينهما كان أحق الناس بالسكينة ودوام النعمة
أتذكر أن أم زوجي رحمها الله جمعتني يومًا مع سلفتي في أول زواجي وقالت لنا بحزم : ” أي شيء يحصل في البيت ممنوع يتقال للرجالة ولو العلاقة فسدت بين أولادي بسبَبكم ما فيش لكم مكان في هذا البيت ” كانت امرأة حكيمة تحب أولادها وهدفها أن تحافظ على استقرار بيوتهم، لذا أنصح كل أم أن تترك مسافة بينها وبين حياة أولادها بعد زواجهم ، فالأم العاقلة لا تسعد بأن ترى أبناءها على خلاف بسبب أمور نسائية عابرة .

وعلى فكرة عندي في النيش طقّم كاسات أثري لم يُشرب فيه من قبل ومكتوب في القائمة بعد عمر طويل يمكن لأولادي أن يقتسموه بالتساوي لأن القسمة الشرعية لمثل هذه الأواني الزجاجية قد تحتاج إلى كسر بعضها ، أو الأفضل أن يجعلوه متداولًا بينهم بحق الانتفاع حفاظًا على الودّ والميراث معًا .
النيش ليس امتحان ولاءٍ للأم ولا ساحة صراعٍ للزوجة بل امتحان للعقل والرحمة معًا فمن وازن بين البرّ والحكمة حمى بيتًا من الانكسار وربح قلبين كانا له سكنًا وطمأنينةً في الدنيا والآخرة

قد يعجبك ايضا