أخلاق الأنبياء والملوك
المرفأ- بقلم: نادية إبراهيم نوري
أثناء جلوسي على شاطئ إحدى القرى السياحية، شدَّ انتباهي مشهد مؤلم؛ إذ كانت إحدى السيدات تعامل مستخدمتها الشابة بأسلوب جارح مليء بالصوت المرتفع والتوبيخ، دون أن يصدر من تلك الشابة ما يستدعي ذلك. كانت الفتاة تبذل جهدها في خدمة العائلة والاعتناء بالطفل بحرص وتفانٍ، بينما كانت الأم تقضي وقتها في السباحة والاستجمام، ولا يجد لسانها إلا اللوم والتقريع. والأكثر إيلامًا أنها كانت تقدم لها ما تبقّى من طعام الأسرة دون مراعاة لكرامتها أو مشاعرها، في مشهد أثار استنكار جميع من حولها.
عندها تذكرت أنس بن مالك، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي قال إنه خدم النبي عشر سنوات، وما سمع منه كلمة “أف”، ولا عاتبه على خطأ، بل كان الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام يتغافل برحمة ويعامل خادمه بلطف ورفق، وكان يحثّ المسلمين على معاملة الخدم كالأخوة، وهو رسولٌ وقائدٌ وأعظم من عرفته الإنسانية.
وأدركت حينها أن تلك السيدة لم تُفسدها النعمة فحسب، بل إن الخير فيها عارضٌ دخيل، وربما كانت ممن “شبعوا بعد جوع”، فضاعت عنهم قيمة الكرامة الإنسانية.
تذكرت كذلك رواية الفنان الراحل أحمد رمزي حين كان يتنزه بسيارته في كورنيش الإسكندرية فجرًا، فصادف الملك فاروق يقود سيارة مشابهة. فابتسم الملك وشارك رمزي السباق بروح خفيفة وتواضع جمّ، دون أن يستحضر سلطانه أو مكانته. تلك كانت أخلاق الملوك التي لا تُكسب بالمنصب، بل تُولد مع النفس السوية.
كما استحضرت لقاءً قديماً مع الملكة رانيا العبدالله في برنامج أوبرا، حين تحدثت عن أسلوب تربيتها لأبنائها، مؤكدة أن الخدم لا يدخلون غرفهم، وأن على كل واحد من أبنائها أن يرتب سريره ويهتم بحاجاته بنفسه، حتى كأس الماء، لأن الاعتماد على الذات قيمة لا تُلغيها المكانة ولا الألقاب.
هذه هي أخلاق الأنبياء والملوك: تواضعٌ، رحمةٌ، واحترامٌ للإنسان لكونه إنسانًا، لا لما يملك أو يحمل من لقب.
لقد قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم:
“إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.”
وقال تعالى:
{يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير} (الحجرات: 13).
كم من حضارات قامت واندثرت، وكم من قصور تغيّرت أحوال أهلها، وما بقي إلا سيرة الإنسان وأخلاقه.
فلنتعلم الرحمة من الأنبياء، والتواضع من الملوك، ولنتذكر أننا بحاجة بعضنا بعضًا، وأن الكرامة حق لا تُنتقص، وأن الأخلاق هي الزاد الذي يبقى ما بقيت الحياة