ظاهرة عمرو عويضة بقلم معتز. ابو رحاب باحث سياسي
المرفأ- في المشهد السياسي المصري، كثيرون يمرّون مرور الكرام على الساحة الانتخابية، لكن قليلين فقط من يتركون أثراً يفرض على الجميع التوقف عنده. وفي محافظة سوهاج، وتحديداً في الدائرة الرابعة (جهينة – طهطا – طما)، بانتخابات مجلس النواب ٢٠٢٥ برز اسم عمرو عويضة كواحد من أبرز المفاجآت السياسية في الانتخابات الأخيرة، بعدما نجح في تحقيق حضور شعبي واسع أهّله للوصول إلى جولة الإعادة في أول تجربة انتخابية له، ليصبح حديث الشارع السياسي في الصعيد.
من المرشح الجديد إلى “الحالة السياسية”
عمرو عويضة لم يكن اسماً متداولاً في الأوساط السياسية قبل انطلاق المعركة الانتخابية، لكنه استطاع خلال فترة قصيرة أن يحوّل ترشحه إلى “حالة سياسية” لافتة. فالشاب الذي دخل السباق بشعار التجديد والإصلاح، استطاع أن يخترق الحواجز التقليدية للقبلية والانتماءات العائلية، مقدّماً خطاباً سياسياً يلامس هموم المواطنين بعيداً عن الشعارات المعتادة.
اعتمد عويضة في حملته على التواصل المباشر مع الناس، فكان حاضراً في القرى والمراكز الصغيرة، يستمع قبل أن يتحدث، ويعد بما يمكن تنفيذه لا بما يُقال فقط لكسب الأصوات. هذه الصراحة والمباشرة منحته مصداقية لدى شريحة واسعة من الشباب والطبقة الوسطى، ممن وجدوا فيه نموذجاً مختلفاً عن الصورة النمطية للمرشح التقليدي في الصعيد.
ما يميز تجربة عمرو عويضة أنه قدّم نموذجاً جديداً في إدارة الحملات الانتخابية داخل بيئة محافظة مثل سوهاج، حيث تهيمن العائلات والروابط القبلية على الاختيارات السياسية. فقد استخدم وسائل التواصل الاجتماعي بفاعلية، مقدّماً نفسه بلغة عصرية تجمع بين الثقة والبساطة، ومبتعداً عن الخطابات الانفعالية أو المزايدات.
كما استعان بفريق من الشباب المتطوعين الذين تبنّوا فكرته في التغيير الحقيقي، ليصبحوا لاحقاً نواة لحركة شعبية مؤمنة بقدرتها على إحداث فرق في المشهد المحلي. وبهذا المعنى، لم يكن عويضة مجرد مرشح؛ بل بدأ يتحول إلى رمز لجيل جديد يسعى إلى كسر المعادلة التقليدية بين “المال السياسي” و”الولاء العائلي”.
الوصول إلى جولة الإعادة في دائرة انتخابية معقدة مثل (جهينة – طهطا – طما) ليس إنجازاً عادياً. فالتنافس فيها شديد، والتوازنات الاجتماعية متشابكة. لكن تمكن عمرو عويضة من حصد هذا التأييد الواسع يرسل رسالة سياسية عميقة: أن الشارع أصبح أكثر استعداداً لمنح ثقته للوجوه الجديدة متى ما وجدت خطاباً مقنعاً وبرنامجاً واقعياً.
ويرى مراقبون أن تجربة عويضة تمثل تحوّلاً في الوعي الانتخابي لدى المواطنين في الصعيد، إذ بدأ الناخب ينظر إلى الكفاءة والقدرة على التمثيل الحقيقي أكثر من الانتماء القبلي أو النفوذ المالي. هذه النقلة النوعية، إن استمرت، قد تفتح الباب أمام جيل كامل من السياسيين الشباب لتجديد دماء الحياة البرلمانية في الجنوب.
ورغم أن الطريق أمام عمرو عويضة ما زال طويلاً، فإن ما حققه حتى الآن يُعدّ مؤشراً على نضوج مشروع سياسي قابل للتطور. فالشعبية التي حصدها لم تأتِ من فراغ، بل من خطاب واقعي وممارسة قريبة من الناس. غير أن التحدي الأكبر أمامه اليوم هو الحفاظ على هذه “الحالة الشعبية” وتحويلها إلى مشروع مستدام يترجم الوعود إلى أفعال، سواء فاز بالمقعد النيابي أم لا.
يمكن القول إن ظاهرة عمرو عويضة في سوهاج ليست مجرد نتيجة انتخابية، بل هي تعبير عن حراك اجتماعي وسياسي جديد في الجنوب، عنوانه “الوعي والتجديد”. فأن ينجح مرشح شاب في أن يصنع لنفسه مساحة بهذا الحجم، وسط منافسة شرسة، هو مؤشر على أن السياسة في الصعيد بدأت تتغيّر فعلاً.
سواء حسمت الإعادة لصالحه أو لا، يبقى عمرو عويضة نموذجاً لظاهرة سياسية تستحق الرصد والتحليل — لأنها ببساطة تقول إن صوت المواطن العادي أصبح أقوى من أي حسابات تقليدية.