قلبٌ أقوى… مستقبلٌ أطول: لماذا أصبحت الوقاية من أمراض القلب ضرورة وطنية؟”

3٬690

 

المرفأ- بقلم: الدكتورة ايمان راشد كمنه

في عالمٍ تتسارع فيه وتيرةُ الحياة وتتزايد الضغوط اليومية، باتت أمراض القلب تمثل التحدي الصحي الأكبر للإنسان المعاصر. فبحسب تقديرات المؤسسات الصحية العالمية، لا تزال أمراض القلب المسبب الأول للوفيات حول العالم، متقدمةً على السرطان والحوادث وسواها من الأسباب. لكن المدهش في الأمر أن معظم هذه الأمراض يمكن الوقاية منها، وأن الطريق إلى قلبٍ سليم يبدأ بخطوات بسيطة يمكن لأي فرد أن يطبقها دون تكاليف باهظة أو مجهود شاق.
عادات صغيرة… نتائج كبيرة
تبدأ الوقاية من أمراض القلب من نمط الحياة اليومي. فممارسة النشاط البدني لمدة 150 دقيقة أسبوعيًا—ولو كانت مجرد مشي سريع—تساهم في تحسين كفاءة عضلة القلب، وتقلل من تراكم الدهون، وتساعد على ضبط ضغط الدم. الكسل والخمول، على الجانب الآخر، لا يؤديان فقط إلى زيادة الوزن، بل يرفعان أيضاً احتمالات الإصابة بارتفاع ضغط الدم والسكري، وهما من أهم المؤثرات السلبية على صحة القلب.
أما الغذاء، فهو حجر الأساس الذي يبني عليه القلب صحته. فالأطعمة الغنية بالدهون المشبعة والسكريات المكررة والصوديوم تشكل عبئاً كبيراً على الشرايين. وفي المقابل، يشكل النظام الغذائي المتوازن—القائم على الخضراوات، الفواكه، الحبوب الكاملة، البروتينات الخالية من الدهون، والأسماك—درعاً واقياً يحمي القلب من الالتهابات وتصلب الشرايين. وقد أثبتت الدراسات أن تناول وجبة واحدة يومياً غير صحية كفيل بإثارة استجابات التهابية تستمر ساعات طويلة داخل الجسم.
لا تستهينوا بضغط الدم والكولسترول
يُطلق على ارتفاع ضغط الدم لقب “القاتل الصامت” لسبب وجيه: إذ لا يسبب أعراضاً واضحة إلا في مراحل متقدمة، ورغم ذلك يسبب تآكل جدران الشرايين ويزيد من خطر النوبات القلبية والسكتات الدماغية. ولذلك فإن قياس ضغط الدم بشكل دوري ضرورة لا رفاهية.
وينطبق الأمر ذاته على الكولسترول، وخصوصاً النوع الضار (LDL) الذي يتراكم على جدران الشرايين ليشكل لويحات تعيق تدفق الدم. المفارقة أن كثيرين ممن يعانون ارتفاع الكولسترول لا يدركون ذلك إلا عند حدوث مشكلة. ولهذا فإن فحص الدم السنوي يجب أن يكون جزءاً ثابتاً من الروتين الصحي.
التوتر… عدو خفي للقلب
لا يمكن الحديث عن الوقاية من أمراض القلب دون التطرق إلى الضغط النفسي الذي أصبح رفيقاً يومياً للغالبية. إذ يساهم الإجهاد المزمن في رفع هرمونات التوتر كالكورتيزول والأدرينالين، ما يؤدي إلى زيادة ضربات القلب ورفع ضغط الدم، وبالتالي زيادة العبء على الجهاز القلبي الوعائي.
وتشير العديد من الأبحاث إلى دور ممارسة تقنيات الاسترخاء—مثل التأمل والتنفس العميق واليوغا—في خفض مستويات التوتر وتحسين صحة القلب. كما يعد النوم الجيد لساعات تتراوح بين 7 و8 ساعات يومياً أحد أهم العوامل التي تُعدّل المزاج وتُعيد التوازن الهرموني للجسم.
التدخين… الخطر الأكثر وضوحاً
رغم التحذيرات المتكررة، لا يزال التدخين أكبر مُساهم يمكن تجنبه في الإصابة بأمراض القلب. فالنيكوتين يرفع ضغط الدم ويسرّع ضربات القلب، فيما تتسبب المواد السامة الأخرى في إتلاف جدران الشرايين وتقليل كمية الأكسجين الواصلة إلى القلب. والأهم أن الإقلاع عن التدخين يحدث فرقاً ملموساً؛ إذ تبدأ فائدة القلب في الظهور خلال أسابيع قليلة من الإقلاع، وتزداد تدريجيًا مع مرور الوقت.
ختاماً… مسؤولية جماعية وفردية
إن الوقاية من أمراض القلب ليست مجرد خيار صحي، بل هي مسؤولية وطنية تساهم في خفض تكاليف العلاج، وتحسين جودة الحياة، وبناء مجتمع أكثر إنتاجية. ومع ذلك، تظل البداية في يد كل فرد: قرار صغير اليوم—كممارسة المشي، أو اختيار وجبة صحية، أو إجراء فحص دوري—يمكن أن يكون الفارق بين حياة عادية وحياة أطول وأكثر حيوية.
إن مستقبل القلب يبدأ الآن… والوقاية هي المفتاح.

قد يعجبك ايضا