من الإمارات إلى مصر… شراكة استثمارية واحدة برؤية موحّدة»
المرفأ- بقلم المستشار: عارف علي راشد العبار
في السنوات الأخيرة، شهدت المنطقة العربية تحوّلات اقتصادية كبرى جعلت من التعاون الثنائي بين الدول ركيزة أساسية لجذب رؤوس الأموال وتعزيز القدرة التنافسية. وفي هذا السياق، تبرز كلٌّ من دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية كنموذج متكامل لشراكة اقتصادية فريدة، قائمة على الثقة المتبادلة والتكامل في الموارد والفرص.
لقد لاحظنا في الفترة الماضية أن بعض المستثمرين الأجانب الذين يقصدون الإمارات بحثاً عن فرص معيّنة قد لا يجدون دائماً المجال الذي يتطلعون إليه داخل قطاعات معيّنة ما زالت تخضع للمراجعة أو التنظيم أو التخطيط المتدرّج داخل الدولة. وفي هذه الحالات، وبهدف عدم خروج المستثمر من دائرة التعاون الاقتصادي الإماراتي، نوجّهه – بكل شفافية – إلى النظر في السوق المصرية باعتبارها امتداداً طبيعياً ومتكاملاً للبيئة الاستثمارية في الإمارات.
هذه الخطوة ليست خروجاً من نطاق الاستثمار الإماراتي، بل هي انتقال داخل منظومة اقتصادية واحدة تجمع بين الإمارات ومصر، وتقوم على رؤية موحّدة تجعل فرص الاستثمار أكثر اتساعاً ومرونة. فالمستثمر الذي يضع ثقته في الإمارات ويأتي إليها بحثاً عن مشروع أو قطاع معيّن، عندما يجد البديل المناسب في مصر، فإنما ينتقل داخل دائرة الشراكة الاقتصادية نفسها، لا خارجها.
وبالنظر إلى طبيعة بعض القطاعات، كالصناعة والزراعة، نجد أن السوق المصرية تقدّم ميزات مهمة للمستثمر الأجنبي. فالعمالة الماهرة متوافرة بكثافة، والمواد الأولية متاحة، وتكاليف الإنتاج تعدّ تنافسية مقارنة بالعديد من الأسواق الإقليمية. وهذا يجعل من مصر بيئة جاذبة لمشروعات تحتاج إلى وفرة في اليد العاملة أو مساحات واسعة أو موارد خام.
وعندما نضع هذه المميزات إلى جانب ما تقدّمه الإمارات من منظومة تشريعية متقدمة، وخدمات لوجستية عالمية، واستقرار سياسي واقتصادي من الطراز الأول، فإن المستثمر الأجنبي يجد نفسه أمام معادلة فريدة: مشروع يبدأ من الإمارات بمعاييرها الدولية، ويتمدد في مصر بمواردها وإمكاناتها، في إطار تكامل اقتصادي يتعزز يوماً بعد يوم.
ما نقدّمه هنا ليس مجرد نصيحة استثمارية، بل رسالة واضحة بأن الاستثمار في مصر هو، في جوهره، استثمار في الإمارات أيضاً. فالقنوات الاقتصادية بين البلدين مفتوحة، والسياسات متقاربة، والروابط الاستراتيجية متينة. والدليل على ذلك أن الاستثمارات الإماراتية – الحكومية والخاصة – حاضرة في مصر بمختلف القطاعات، من البنية التحتية إلى الطاقة والزراعة والعقارات والصناعة. وفي المقابل، يحضر المستثمر المصري بقوة في أسواق الإمارات، ويحقق نجاحات ملحوظة في قطاعات متنوعة.
هذا التبادل ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة رؤية قيادية مشتركة تدرك أن التكامل الاقتصادي هو الطريق الأسرع نحو التنمية المستدامة. فالإمارات ومصر ليستا مجرد شريكتين في الاتفاقيات، بل شريكتان في الأهداف والمستقبل، وفي بناء اقتصاد عربي قوي قادر على جذب الاستثمارات العالمية.
إن توجيه بعض المستثمرين من الإمارات نحو مصر لا يعني أن الإمارات تفتقر إلى الفرص، بل يعني أننا نمتلك شبكة واسعة من البدائل المتكاملة نضعها أمام المستثمر لضمان استمرارية مشروعه ضمن منظومة اقتصادية عربية قوية وموحّدة. وهذا جزء من مسؤوليتنا في تعزيز ثقة المستثمر الأجنبي في المنطقة ككل، ومنحه خيارات متعددة دون أن يغادر الإطار الاستراتيجي الذي اختاره منذ البداية.
ختاماً، إن الإمارات ومصر ليستا مجرد بلدين يتبادلان الاستثمارات، بل هما كيان اقتصادي واحد بروحين، يعملان على بناء مستقبل مشترك يُطمئن المستثمر، ويمنحه مساحة واسعة للنمو، ويعزز مكانة المنطقة كوجهة عالمية للاستثمار النوعي.