لا تتدخل فيما لا يعنيك بقلم: نادية إبراهيم نوري

3٬686

 

المرفأ- لكلٍّ منا حياته وظروفه الخاصة، ولا توجد قصة تُشبه الأخرى؛ حتى بين أفراد الأسرة الواحدة. فحياتنا تتشكّل بفعل عوامل متعددة: الوراثة، البيئة، التجارب، التعليم، الأصدقاء، والظروف الطارئة… وغير ذلك مما يصنع شخصية كل فرد ومسار حياته. لذلك من غير المنطقي أن نتدخل في شؤون بعضنا البعض ما لم يُطلب منا ذلك صراحة. فحين يُطلب منّا النصح، يكون واجبًا علينا تقديمه بمحبة وإخلاص؛ لأن تجاربنا تختلف، وما نمرّ به يصقل عقولنا ويزيد من خبرتنا.

ولهذا السبب يلجأ الكثيرون إلى كبار السن، أو الوالدين، أو الأساتذة، أو حتى إلى الداعمين في مجال تطوير الذات، ممن نثق بهم وبطريقة تفكيرهم. لكن غير المقبول أن يقدّم أحدنا نصيحة لمَن لم يطلبها؛ فكم من حياة مستقرة انقلبت رأسًا على عقب بسبب كلمة عابرة أو رأي غير مسؤول.

أمثلة من واقعنا
• أسرة متفاهمة ومستقرة تعيش على الكفاف بسلام، تتدخل جارة لتُخبر الزوجة أنها يجب أن تضغط على زوجها ليسافر ويجلب مالًا أكثر، فتبدأ المقارنات والشكوك، وتتحول الحياة الهادئة إلى صراع وضغوط. وربما يسافر الزوج فعلًا، لكن الأسرة تخسر وجوده، ويخسر الأبناء الأمان، وتزداد مسؤوليات الأم، وفي النهاية لا تتحقق الوعود البراقة بتحسين الوضع الاقتصادي.
• أم حنونة تربّي أبناءها بالحب والحلم، فتأتي صديقة تنتقد هذا الأسلوب وتطالبها بالحزم والقسوة لزرع الخوف والانضباط! تتأثر الأم وتغيّر اسلوبها، فيتحول الدفء الأسري إلى توتر وخوف وعصيان… مع أن التربية بالحب أعمق أثرًا وأكثر ثباتًا من التربية بالخوف.
• شاب طموح لم يحصل على المعدل الذي يؤهله لتخصص يحلم به، فيقرر الأب دعمه بكلية خاصة. لكن “صديق” للأب يتدخل ويقنعه بأن المال أولى به، وأن ابنه يجب أن يقبل بـ “استحقاقه”. تذبل روح الشاب ويعيش خيبة أمل، وتتشقق العلاقة بينه وبين والده بسبب رأي لم يُطلب ولم يكن في مكانه.
• ممثلة جميلة أثرت عليها سنوات العمر، فدفعتها نصائح زميلاتها إلى عمليات تجميل شوهت ملامحها بدل أن تحافظ عليها.
• شاب رياضي أقنعه أصدقاؤه ببناء العضلات سريعًا، فلجأ إلى تمرينات مرهقة ومكملات خطرة… لينتهي الأمر بقلب لم يحتمل ووفاة مأساوية كان يمكن تجنبها.

أتذكر قصة كنا ندرسها في الابتدائية: فأرة وعصفور وضفدعة اتفقوا أن يتعاونوا؛ العصفور يجلب الطعام، والضفدعة الماء، والفأرة تجهز المائدة. عاشوا سعيدين حتى تدخل حيوان حاسد وأقنع كل واحد بأنه مستغل من الآخرين. فغيّروا أدوارهم… والنتيجة: الفأرة كسرت رجلها، والعصفور لم يستطع حمل الماء فانكسر الإناء، والضفدعة حرقت الطعام. هكذا خسر الجميع بسبب تدخّل غير بريء.

الخلاصة

إن أجمل نصيحة يمكن أن نوجّهها لأنفسنا ولمن حولنا هي:
لا تتدخل في شؤون غيرك.
فكل إنسان أدرى بظروفه، وأقدر على اتخاذ قراراته، والأهم… قادر على تحمّل نتائج اختياراته

قد يعجبك ايضا