“العنف المدرسي… خطر يهدّد المستقبل”

3٬298

 

المرفأ- بقلم: الدكتورة مريم علام دكتوراة في القانون المدني مدير وحدة رعاية الوافدين

شهدت المدارس المصرية في السنوات الأخيرة تنامياً ملموساً لظاهرة العنف بين الطلاب، بل وامتدت لتشمل الاعتداءات على المعلمين أيضًا، الأمر الذي جعل مشاهد التنمر والخلافات الحادة مشهداً مألوفاً داخل العديد من المؤسسات التعليمية. هذا الانتشار لم يعد حالات فردية يمكن التغاضي عنها، بل أصبح ظاهرة مقلقة تهدد الدور التربوي للمدرسة، وتنعكس سلباً على المناخ التعليمي والقيمي الذي يفترض أن ينمو فيه الطلاب، مما يطرح تساؤلات جادة حول أسباب هذه الأزمة وطرق مواجهتها.
ولأن التعليم هو مرآة المجتمع، فقد أولت الدولة اهتماماً كبيراً لهذه الظاهرة، حيث أكد السيد رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة ضرورة فرض الانضباط داخل المدارس، والتعامل الحازم مع أي اعتداء يحدث داخل المؤسسات التعليمية. كما شدد سيادته على أهمية دعم المعلمين وتحسين أوضاعهم، إدراكاً للدور المحوري الذي يلعبه المعلم في بناء شخصية الطالب، وفي الحد من السلوكيات العدوانية داخل البيئة المدرسية.
ما يلفت الانتباه في توجيهات القيادة السياسية أنها لم تُحصر أزمة العنف داخل حدود المدرسة، بل تناولتها باعتبارها مسؤولية مجتمع كامل تشترك فيه الأسرة والمدرسة والإعلام على حد سواء. فالسلوكيات التي يمارسها الطالب داخل المدرسة ليست سوى انعكاس لما يتلقاه في المنزل وما يشاهده في الإعلام وما يعيش حوله من مؤثرات اجتماعية وثقافية.
ومن وجهة نظري، فإن مواجهة هذه الأزمة تتطلب حلولاً واقعية وشمولية، يأتي على رأسها ضرورة وجود أخصائيين نفسيين واجتماعيين داخل كل مدرسة، مع تخصيص حصة أسبوعية ثابتة للقاء الطلاب والاستماع إلى مشكلاتهم وتتبع حالتهم النفسية، بما يتيح رصداً مبكراً لأي اضطراب سلوكي قبل تفاقمه. فهذا الدعم النفسي يعد خط الدفاع الأول في منع تطور السلوك العدواني، إذ يساعد الطالب على فهم ذاته وضبط انفعالاته والتعبير عن ضغوطه بطريقة صحية.
لكن الدور المطلوب من الأخصائي النفسي والاجتماعي يجب أن يكون دوراً احترافياً قائماً على تدريب متخصص، يشمل تقنيات إدارة الغضب، ومهارات التواصل الفعّال مع مختلف الفئات العمرية، إضافة إلى تبني الممارسات المنهجية المتبعة في دول رائدة مثل الولايات المتحدة وكندا، وعلى رأسها ممارسات الإصلاح التربوي (Restorative Practices).
وتقوم هذه الممارسات على مبدأ أساسي وهو أن الهدف ليس العقاب، لأن العنف لا يولّد إلا عنفاً مضاداً، بل الهدف هو إصلاح العلاقة بين الطالب وزميله، وبين الطالب ومعلمه، وبناء مجتمع مدرسي قائم على الاحترام المتبادل.
من خلال هذه المنهجية يُمنح الطالب الذي ارتكب خطأً فرصة للتعبير عن دوافعه والاعتراف بما بدر منه، ثم العمل على إصلاح ما أفسده، بما يجنّبه الشعور بالعزلة والرفض اللذين كثيراً ما يدفعان المراهق إلى التمرد والعنف. وهكذا يتحول الخطأ إلى درس تربوي يعزز قيم المسؤولية والانتماء بدلاً من أن يكون سبباً في تفاقم السلوك العدواني.
ولا يمكن الحديث عن عنف الطلاب بمعزل عن الدور الخطير الذي يلعبه المحتوى الإعلامي. فالإعلام الذي يعرض مشاهد عنف أو يسخر من الضعفاء أو يمجّد القوة والبلطجة، يساهم بشكل واضح في تطبيع هذه السلوكيات لدى الأطفال والمراهقين. ومع تكرار المشاهدة يصبح العنف أمراً عادياً ومقبولاً، وينتقل من الشاشة إلى الفصل المدرسي. ومن ثم بات من الضروري فرض رقابة حقيقية على المحتوى الإعلامي ومنصات التواصل الاجتماعي لحماية القيم الأخلاقية للمجتمع، وتعزيز ثقافة التسامح واحترام الآخر.
إن مواجهة العنف المدرسي ليست مسؤولية جهة واحدة، بل هي مشروع وطني يتطلب تضافر جهود الأسرة والمدرسة والإعلام معاً. فبقدر ما نحمي مدارسنا من الانفلات الأخلاقي، نضمن للأجيال القادمة بيئة تعليمية آمنة قادرة على بناء إنسان سويّ، يعرف حقوقه وواجباته، ويستطيع أن يسهم بفاعلية في مستقبل وطنه.

قد يعجبك ايضا