الأمان الوظيفى ومهددات الاختراق

3٬351

المرفأ- بقلم أ.د.فاطمة الزهراء سالم محمود

تعد بيئة العمل من أهم أنماط البيئات التي يتعامل معها الإنسان بعد انقضاء فترة دراسته المدرسية أو الجامعية . وتمثل بيئة العمل حياة جديدة للإنسان ، بل قد تتغير شخصيته التعليمية التي اعتاد عليها طوال دراسته لتصبح شخصية مهنية عليها واجبات ومسئوليات ومهام ، ولها حقوق بالمثل أهمها التمتع بالحماية والأمان والوظيفى . وعند التأهل لوظيفة ما يدرك المرء مهامه ومسئولياته المنوط بها ، كما يتطلع إلى أن يأخذ حقوقه المعنوية والمادية بكاملها طالما يؤدى واجباته ومسئولياته المهنية وفقاً لمتطلبات الوظيفة التي يعمل بها.

والأمان الوظيفى من أهم الحقوق واجبة الحدوث في بيئة العمل المهنى ، حيث يشعر الموظف أو العامل أو عضو المهنة بالإنتماء لمكان العمل ،ولديه شغف بالتواجد المستمر في بيئة العمل بكل جدية ونشاط وراحة نفسية لزملاء العمل والمديرين والقيادات المشرفة على الأداء الوظيفى ومتطلبات المهنة .

لهذا يعرف الأمان الوظيفى بتوفير الحد الأدنى من الشعور بالأمن والاستقرار ، وعدم الخوف على المستقبل ، وتحقيق كافة المتطلبات الحقوقية للموظف أو العامل أو عضو المهنة الذى يشغل وظيفة داخل مؤسسة ما . ولكى يتحقق الأمان الوظيفى وضعت العديد من قوانين العمل لحماية العاملين وحقوقهم المعنوية والمادية ، وعدم المساس بتلك الحقوق أو انتهاكها من قبل المديرين والقيادات . كما نظمت القوانين طبيعة العلاقة بين الرئيس والمرؤوسين ، وحددت طبيعة ومهام كل منهما بحيث لا يتعدى أي طرف على حقوق الآخر .

ومع كل ما تطرقت إليه القوانين من حماية للعاملين داخل المؤسسات سواء التي تنتمى للقطاع الحكومى أو الخاص أو الأعمال الحرة التي لا تنتمى لمؤسسة أو كيان رسمي ؛ إلا أن العديد من الإنتهاكات تحدث داخل العديد من المؤسسات الرسمية أو غير الرسمية ، الحكومية والخاصة ، وتحدث اختراقات كثيرة تمس حقوق العاملين سواء كان الأمر يتعلق بالجوانب المالية والمادية أو بالجوانب المعنوية واهدار الطاقات الإنسانية في شكاوى ومظالم متعددة لاستعادة الحقوق المنهوبة أو المسلوبة أو الشعور بالأمان الوظيفى ،وعدم قتل معنويات العاملين أو الموظفين الذين يخدمون الوطن، ويساعدون في بناء مجتمعاتهم .

ولهذا فإن الشعور بالأمان الوظيفى قيمة أخلاقية عليا ،ومن سمات الأمم المتحضرة التي تربط حياة المواطنين ببيئة عمل آمنة ،ومستقرة خالية من المهددات والاختراقات للأمان الوظيفى .

والسؤال الجوهرى ما هي مهددات الأمان الوظيفى التي معها يشعر العاملين والموظفين بالحاجة الدائمة إلى ترك العمل والبحث عن مكان آخر للعمل أكثر أماناً وظيفياً؟

تختلف الإجابة على هذا السؤال من مجتمع إلى آخر ، ومن ثقافة إلى أخرى ، ومن نمط إدارى إلى نمط إدارى آخر ، ومن نظم حكم داخل الدولة إلى نظم حكم أخرى .

فالأمر في غاية التشابك والتعقيد حيث ترتبط بيئة العمل بمنظومة كاملة ترتبط بنمط الحياة القيادية داخل الدولة ذاتها ، ونمط الحكم بها إذا ما كان ديمقراطياً أو ديكتاتورياً أو أوتوقراطياً أو فوضوياً …..ولهذا تتسم نظم الإدارة في بيئة العمل بنفس المنظومة القيادية الأعلى في أغلب الأحيان.

ويمكن القول أن الأنظمة التسلطية أو الديكتاتورية تخترق المعايير والقوانين المنظمة من أجل تحقيق أهداف خاصة، ومصالح خاصة تفسد الحياة المهنية وبيئة العمل بدورها ، وتجعل بيئة العمل يشوبها التوتر والقلق والفساد والرياء والتجسس على الآخرين ، واحباط المجتهدين والمتفوقين ، وإبراز الفاشلين وغير المجتهدين في صور أعلى من مستوياتهم وقيمتهم الحقيقية ، وإعطاء الفرص للمطيعين ، والذين لديهم الاستعداد الكامل للإطاحة بزملائهم في العمل من أجل نيل مكاسب مادية تتعلق بالأموال والمناصب وغيرها من الأساليب التي تنهار معها قيم العمل الحقيقى ، وقيمة الشعور بالأمان الوظيفى .

فضلاً عن إعطاء المناصب القيادية لمن يمتلكون القدرة على السيطرة على الآخرين بأساليب غير مشروعة ، وغير إنسانية مثل القمع والكبت والإطاحة ،والتجسس ، وطاعة القيادات الأعلى الفاسدة لتحقيق أهدافهم الخاصة ، وسيادة شريعة الغابة من حيث البقاء للأقوى في الوصول لتحقيق مآرب شخصية على حساب الآخرين وطموحاتهم وآمالهم ، وكل ما هو متعلق بالفساد المهنى الذى يشعر معه الموظف المجتهد ،والذى ليس لديه أساليب ملتوية أو سرعة الوصول والانتهازية والصعود لقمة السلم بطرق غير مشروعة . فضلاً عن احباط الكثيرين من الشرفاء والمجتهدين وطمس حقوقهم لمجرد أنهم يعملون بجد وفقاً لما أوصت به معايير المهنة أو الوظيفة .

وفى غفلة تامة من الدولة أو المجتمع ،ومن القيادات الأعلى أو تورط القيادات الأعلى مع القيادات الأقل في نزع الأمن والأمان الوظيفى من نفوس الموظفين ، وحدوث الفساد الإدارى والمهنى تضيع العديد من الحقوق المهنية المادية والمعنوية للمواطن الذى أفنى عمره في الكفاح من أجل تنمية وتقدم المجتمع ، ويمر العمر به دون تقدير حقيقى بل قد يكون مساهماً وسبباً دون أن يشعر في إعلاء قيمة المفسدين وذوى الأهداف الخاصة . وتمر سلسلة الاختراقات والمهددات للأمان الوظيفى ويتبعها سلاسل الخوف من الحديث أو الشكوى أو حتى الانهيار كى لا يجد الموظف أو العامل أو عضو المهنة في مكان آخر أو خارج نطاق العمل أو يحدث له ابتلاءات مدبرة من القيادات الفاسدة ، وغيرها من الأمور المعروفة في بيئات العمل الفاسدة والتي تفتقر إلى الضمير الإنسانى والرقابة والمتابعة الإدارية والقيادية .

بل قد يحدث أن يحصد الكثير من الموظفين غير الجديرين على جوائز رفيعة المستوى لمجرد التودد والتواصل مع القيادات ، أو لمجرد السلطة التي يمتلكها الموظف أو الطبقة التي ينتمى إليها ، أو الخدمات التي قدمها للقيادات الفاسدة من تجسس على زملائه ونقل أخبارهم ، وسرقة أعمالهم ، أو احباطهم مهنياً واجبارهم على ترك العمل ، فكل تلك الأمور لدى القيادات الفاسدة تعد مهارات كبرى تستوجب المكافأة ، لأن كل تلك الأفعال الخبيثة والفاسدة تضمن بقاء القيادات الفاسدة في أماكنها مدة طويلة دون محاسبية، مع مزيد من التربح من المهنة ، وزعزعة الأمان الوظيفى أيضاً.

ومخاطر الاستمرار في اختراق الأمان الوظيفى جسيمة حيث نشأة أجيال لا تعرف الرحمة ولا قيمة العمل الجاد والإنتاج والإبداع بسواعد وعقول مفكرة ، وعمل مضنى وسهر وكفاح ، بل اتقان التمثيل وإبراز الفاسدين في صورة العمل المضنى والإنتاج المثمر دون قيمة حقيقة أو جدوى من أعمالهم سوى التستر على أهدافهم الضمنية من التربح المادى بطرق غير مشروعة ومزيد من التمسك بالمناصب والكراسى القيادية دون أفعال تبنى المجتمع أو الدولة .

أي أن مهددات الأمان الوظيفى تتسرب إلى المجتمع في وجود أفراد وجماعات وإنجازات غير مواتية لركب التقدم ، وسرقات وانتهاكات للأحلام والطموحات وحقوق المجتهدين والمتفوقين ، وطمس قدراتهم ومنعهم من الصعود والتقدم خشية فضح أمر الفاسدين وسارقين حقوق العاملين الجادين ، وقاتلى أحلامهم ، ومخترقى الكنز الثمين ركيزة التقدم والتنمية ألا وهو الأمان الوظيفى .

قد يعجبك ايضا