الجرائم الإلكترونية في مصر… خطر متصاعد يتطلب وعياً مجتمعياً وحسماً قانونياً
المرفأ- مع التسارع غير المسبوق في وتيرة التطور التكنولوجي، واتساع نطاق استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، باتت الجرائم الإلكترونية واحدة من أخطر التحديات التي تواجه المجتمعات الحديثة، ولم يعد المجتمع المصري بمنأى عن هذا الخطر المتنامي. فالعالم الرقمي، الذي بدأ كمساحة للتواصل وتبادل المعرفة وبناء العلاقات، تحول تدريجياً إلى ساحة مفتوحة لارتكاب أنماط جديدة من الجرائم، تتسم بالخفاء وسرعة الانتشار، وتمس الأفراد والأسر والمؤسسات على حد سواء، مع تركيز خاص على فئة الشباب والأحداث باعتبارهم الأكثر استخداماً للتكنولوجيا الحديثة والأقل وعياً بمخاطرها.
وتتعدد صور الجرائم الإلكترونية في مصر، وتتنوع بين الاحتيال والنصب الإلكتروني عبر الرسائل الوهمية والروابط المزيفة، والابتزاز باستخدام الصور أو المعلومات الشخصية، واختراق الحسابات وسرقة البيانات، وصولاً إلى التشهير والتهديد ونشر الشائعات عبر منصات التواصل الاجتماعي، فضلاً عن التحرش الرقمي الذي يستهدف بشكل خاص المراهقين والأحداث. ولا تقتصر خطورة هذه الجرائم على الخسائر المادية فقط، بل تمتد لتخلّف آثاراً نفسية واجتماعية عميقة، قد تصل في بعض الحالات إلى تهديد استقرار الأسرة، وزعزعة الثقة المجتمعية، وإحداث صدمات نفسية طويلة الأمد لدى الضحايا.
وفي مواجهة هذا الواقع المتغير، اتخذت الدولة المصرية خطوات تشريعية مهمة، كان أبرزها إصدار قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، الذي يمثل الإطار القانوني الأساسي للتعامل مع الجرائم الإلكترونية، وتجريم أفعال الاعتداء على الخصوصية، واختراق الحسابات، والابتزاز، ونشر المحتوى غير المشروع. وقد وفر هذا القانون أدوات قانونية ضرورية لأجهزة إنفاذ القانون، ووجّه رسالة واضحة بأن الفضاء الرقمي ليس خارج نطاق المساءلة.
وتشير تقارير ميدانية وإحصاءات غير رسمية إلى تزايد ملحوظ في البلاغات المرتبطة بالجرائم الإلكترونية خلال السنوات الأخيرة، لا سيما جرائم الاحتيال والابتزاز. فقد شهد عام 2024 ارتفاعاً واضحاً في بلاغات الابتزاز عبر تطبيقات مثل “واتساب” و“فيسبوك”، مع تقديرات تقارب 42 ألف حالة ضمن بعض التصنيفات العربية، التي وضعت مصر في المركز الثاني بعد السعودية من حيث عدد بلاغات الجرائم الإلكترونية على مستوى المنطقة العربية. ورغم أن هذه الأرقام لا تعكس الحجم الحقيقي للمشكلة بسبب حالات عدم الإبلاغ، فإنها تكشف عن حجم الخطر المتصاعد.
وفي هذا السياق، تواجه وزارة الداخلية المصرية، خاصة في جهودها لمكافحة الجرائم الإلكترونية ضد الأطفال والفتيات صغار السن، جملة من التحديات الجوهرية. يأتي في مقدمتها الطابع الخفي للجريمة الرقمية، التي تُرتكب خلف شاشات وهوّيات وهمية، ما يصعّب عملية تتبع الجناة وجمع الأدلة الرقمية. كما يشكل الخوف المجتمعي من الإبلاغ عائقاً رئيسياً، إذ تتردد بعض الأسر في اللجوء إلى الجهات المختصة خشية الوصمة الاجتماعية أو التشهير، وهو ما يمنح الجناة وقتاً أطول للاستمرار في ممارساتهم الإجرامية.
ويضاف إلى ذلك الانتشار الواسع للتطبيقات العابرة للحدود، التي تخزن بياناتها خارج مصر، الأمر الذي يستلزم تعاوناً دولياً وإجراءات قانونية معقدة للوصول إلى الأدلة الرقمية. كما أن التطور السريع لأساليب الابتزاز والاستدراج، خاصة تلك التي تستهدف الأطفال والفتيات عبر الألعاب الإلكترونية ومنصات التواصل، يفرض تحدياً مستمراً يستدعي تحديثاً دائماً للأدوات التقنية وأساليب المواجهة الأمنية.
ورغم هذه التحديات، تظل جهود وزارة الداخلية، المدعومة بالتشريعات الحديثة وحملات التوعية، ركيزة أساسية في حماية الفئات المجتمعية الأكثر هشاشة، وعلى رأسها الأطفال والفتيات الأحداث. غير أن المواجهة الحقيقية لا تقتصر على الجانب الأمني وحده، بل تبدأ من وعي الأسرة والطفل بخطورة العالم الرقمي، وأهمية الاستخدام الآمن للتكنولوجيا، وضرورة الإبلاغ المبكر عن أي تهديد أو ابتزاز، حتى لا تتحول الشاشة من وسيلة أمان ومعرفة إلى بوابة خطر.
وفي الختام، يبقى التنسيق الإعلامي والتوعوي، محلياً ودولياً، أحد أدوات الردع غير المباشرة ذات التأثير البالغ. فالحملات المشتركة التي تكشف أساليب الجرائم الإلكترونية، وتوضح آليات الإبلاغ والحماية، لا تكتفي بدعم الضحايا، بل تبعث برسالة حاسمة للمجرمين بأن الفضاء الرقمي لم يعد ملاذاً آمناً، وأن المجتمع بات أكثر وعياً وقدرة على المواجهة.
بقلم: الدكتورة مريم علام دكتورة. القانون المدني ومدير وحدة رعاية الوافدين بكليه التربيه جامعة طنطا