الجرائم الإلكترونية : تهديد خفي يطرق كل بيت

3٬395

 

المرفأ- بقلم: الدكتورة هدى فريد

لم يعد التطور التكنولوجي المتسارع مجرد أداة لتسهيل الحياة اليومية، بل تحول في كثير من الأحيان إلى سلاح ذي حدين. فبينما أتاح الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي مساحات غير مسبوقة للتواصل والمعرفة، فتح في المقابل أبواباً واسعة أمام أنماط جديدة من الجرائم، تُعرف بالجرائم الإلكترونية، باتت تشكل تهديداً حقيقياً للأمن المجتمعي في مصر، خاصة مع تزايد الاعتماد على الفضاء الرقمي في مختلف مناحي الحياة.
لقد انتقلت الجريمة من الشارع إلى الشاشة، وأصبحت تُرتكب في الخفاء وبسرعة تفوق قدرة الضحايا على الاستيعاب أو المواجهة. وتتنوع صور الجرائم الإلكترونية ما بين الاحتيال المالي عبر الرسائل المزيفة وروابط التصيد، وسرقة الحسابات والبيانات الشخصية، والابتزاز باستخدام الصور أو المعلومات الخاصة، وصولاً إلى التشهير ونشر الشائعات والتحرش الرقمي. وتُعد فئة الشباب والأحداث الأكثر عرضة لهذه الجرائم، نظراً لكثافة استخدامهم للتكنولوجيا، وافتقار بعضهم للوعي الكافي بأساليب الحماية الرقمية.
ولا تتوقف خطورة هذه الجرائم عند حدود الخسائر المادية، بل تمتد آثارها إلى أبعاد نفسية واجتماعية شديدة القسوة. فكثير من الضحايا يعانون من القلق والخوف والعزلة، وقد تتعرض الأسر لهزات عنيفة نتيجة الابتزاز أو التشهير، بينما تتآكل الثقة داخل المجتمع مع تزايد الإحساس بعدم الأمان في العالم الافتراضي.
وفي مواجهة هذا الخطر المتصاعد، سعت الدولة المصرية إلى بناء إطار تشريعي يواكب طبيعة الجرائم الرقمية، وكان من أبرز هذه الجهود صدور قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، الذي وضع أساساً قانونياً واضحاً لتجريم الاعتداء على الخصوصية، واختراق الحسابات، ونشر المحتوى غير المشروع، والابتزاز الإلكتروني. وقد أكد هذا القانون أن الفضاء الرقمي ليس منطقة خارج نطاق القانون، بل يخضع للمساءلة والعقاب.
ورغم هذه الخطوات، تشير مؤشرات واقعية إلى تصاعد ملحوظ في معدلات الجرائم الإلكترونية خلال السنوات الأخيرة، لا سيما جرائم الاحتيال والابتزاز عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي. وتكشف هذه المؤشرات، حتى وإن كانت غير مكتملة بسبب عزوف بعض الضحايا عن الإبلاغ، عن اتساع حجم المشكلة وعمقها داخل المجتمع.
وتواجه الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة الداخلية، تحديات معقدة في هذا الملف، أبرزها الطابع غير المرئي للجريمة الرقمية، واستخدام الجناة لهويات وهمية وتقنيات متطورة تُصعّب تتبعهم. كما يمثل الخوف من الفضيحة أو الوصمة الاجتماعية عائقاً كبيراً أمام الإبلاغ، خاصة في القضايا التي تمس الأطفال والفتيات صغار السن، ما يمنح المجرمين مساحة أكبر للاستمرار.
ويزداد التحدي تعقيداً مع انتشار منصات وتطبيقات عابرة للحدود، تخضع لقوانين دولية مختلفة، ما يستلزم تعاوناً دولياً وإجراءات قانونية طويلة للوصول إلى الأدلة الرقمية. كما أن التطور المستمر في أساليب الاستدراج والابتزاز يفرض ضرورة التحديث الدائم للأدوات الأمنية والتقنية.
وفي النهاية، تبقى المواجهة الحقيقية للجرائم الإلكترونية مسؤولية مشتركة، لا تقتصر على الأجهزة الأمنية والتشريعات وحدها، بل تبدأ من وعي الأسرة، ودور المدرسة، ورسالة الإعلام في ترسيخ ثقافة الاستخدام الآمن للتكنولوجيا، وتشجيع الإبلاغ المبكر. فبقدر ما نرفع مستوى الوعي المجتمعي، نغلق الأبواب أمام الجريمة، ونحوّل الفضاء الرقمي من مصدر تهديد إلى مساحة أكثر أماناً للجميع.

قد يعجبك ايضا