«التوعية السياسية المستمرة… ضرورة لا تقبل التأجيل» بقلم الدكتورة إيمان سماحة
المرفأ- أرى أن أحد أبرز أوجه القصور في المشهد السياسي يتمثل في التعامل مع التوعية السياسية بوصفها نشاطًا موسميًا يُستدعى قبيل الانتخابات، ثم يُطوى مع انتهاء الاستحقاق، وهو طرح أرفضه جملةً وتفصيلًا. فالتوعية السياسية، في تقديري، ليست إجراءً وقتيًا، بل عملية بناء وعي ممتدة، تمثل الأساس الحقيقي لأي ممارسة ديمقراطية جادة ومستقرة.
إن اختزال الوعي السياسي في لحظة التصويت يُفرغ المشاركة من مضمونها، ويحوّل المواطن إلى فاعل مؤقت، لا شريك دائم في المجال العام، بينما الوعي المتواصل وحده هو الكفيل بتكوين مواطن واعٍ لا يكتفي بالتصويت، بل يراقب، ويقيّم، ويُحسن التمييز بين الخطاب الرصين والطرح العاطفي، وبين الإنجاز الحقيقي والوعود المؤجلة. ومن دون هذا الوعي، تبقى الانتخابات صحيحة شكليًا، لكنها منقوصة الأثر سياسيًا ومجتمعيًا.
وأؤكد أن التوعية السياسية المستدامة ليست مسؤولية جهة واحدة، بل هي واجب وطني مشترك، يبدأ من التعليم، ويمتد إلى الإعلام، ويترسخ عبر الأحزاب، وتدعمه مؤسسات الدولة بخطاب واضح وسياسات متسقة. فبغير هذا التكامل، سيظل الوعي هشًّا، قابلًا للتأثر السريع، وعرضة للتضليل وسوء الفهم.
ومن هذا المنطلق، فإنني أرى أن بناء وعي سياسي متواصل هو الضمانة الحقيقية لاستعادة الثقة بين المواطن والمؤسسة التشريعية، وهو السبيل الأقوم لتجاوز حالة العزوف أو المشاركة الشكلية، والانتقال إلى مشاركة واعية، فاعلة، ومستمرة، تدرك أن الديمقراطية ليست موسمًا انتخابيًا، بل ممارسة يومية ومسؤولية جماعية
فالاستثمار في التوعية السياسية المستمرة هو الخيار الأجدر لبناء برلمان قوي، ومجتمع مشارك، ودولة حديثة تستند إلى مواطن مدرك لدوره، واعٍ بحقوقه، ومسؤول عن اختياراته.