«بين الطموح والاتكالية: معركة بناء الشخصية لدى الطالبات»
المرفأ- بقلم: الدكتورة إيمان سماحة
لم يعد التحدي الأكبر الذي يواجه الطالبات اليوم هو صعوبة المناهج أو ضيق الوقت، بقدر ما أصبح التحدي الحقيقي متمثلًا في بناء شخصية قادرة على الاعتماد على الذات وتحمل المسؤولية. ففي خضم المتغيرات المتسارعة، برزت الاتكالية بوصفها سلوكًا مقلقًا، يتسلل إلى بعض الطالبات في صورة انتظار دائم للتوجيه، أو اعتماد مفرط على الآخرين، أو بحث مستمر عن الطرق الأسهل، ولو على حساب الجهد والتعلم الحقيقي.
لقد بات ملحوظًا في البيئة التعليمية أن بعض الطالبات ينشغلن بالسؤال عن «المطلوب في الامتحان» أكثر من اهتمامهن بما ينبغي فهمه أو استيعابه. فتتحول العملية التعليمية من رحلة بناء عقل وشخصية إلى سباق تحصيل درجات، وتغيب قيمة الاجتهاد، ويضعف الإحساس بأهمية السعي الذاتي في تكوين المعرفة. وهذا النمط، وإن بدا مريحًا على المدى القصير، إلا أنه يترك أثرًا بالغ الخطورة على المدى البعيد.
إن الاتكالية لا تفرغ التعليم من مضمونه فحسب، بل تُضعف الثقة بالنفس، وتخلق شخصية هشة، تخشى المبادرة، وتتردد أمام التحديات. فالطالبة التي لم تعتد بذل الجهد، ولا تحمّل مسؤولية تعلمها، تجد نفسها عاجزة عن مواجهة متطلبات الحياة العملية، التي لا تعترف بالحفظ المؤقت ولا بالحلول الجاهزة.
وتتحمل الأسرة والمؤسسات التعليمية مسؤولية كبرى في مواجهة هذه الظاهرة، من خلال تشجيع الطالبات على التفكير المستقل، وتحميلهن مسؤولية اختياراتهن التعليمية، بدل الاكتفاء بالتلقين والمتابعة الشكلية. كما أن القدوة العملية من المعلمات وأعضاء هيئة التدريس تلعب دورًا محوريًا في ترسيخ قيمة الاجتهاد والطموح الحقيقي القائم على العمل لا على التمني.
نصيحة تربوية إلى طالباتنا العزيزات: إن الطموح الحقيقي لا يُبنى على الاتكاء، ولا يتحقق بالحد الأدنى من الجهد. اجعلن من التعلم مسؤولية شخصية لا واجبًا مفروضًا، واسعين إلى الفهم قبل الحفظ، وإلى الإتقان قبل الدرجات. لا تنتظرن من يضع لكنّ الطريق كاملًا، بل تعلّمن كيف تبحثن، وتسألن، وتخطئن، ثم تُصلحن. فالشخصية القوية لا تُمنح، بل تُبنى بالصبر والمثابرة، وبقدر ما تتحملن مسؤولية تعليمكنّ اليوم، تصنعن مستقبلكن بثقة غدًا.