في موسم الإنفلونزا… لماذا لا يكون المضاد الحيوي هو الحل دائمًا؟

3٬314

المرفأ- مقاومة المضادات الحيوية: حين يفقد الطب أحد أقوى أسلحته

مع دخول موسم الشتاء وارتفاع حالات الزكام والإنفلونزا، يتكرّر المشهد ذاته في العيادات والصيدليات: مريض مُرهق يطلب “مضادًا حيويًا قويًا” ظنًّا منه أنه الطريق الأسرع للشفاء. غير أن الحقيقة الطبية أبعد ما تكون عن هذا الاعتقاد الشائع، بل إن هذا السلوك تحديدًا يُسهم في واحدة من أخطر الأزمات الصحية عالميًا: مقاومة المضادات الحيوية.

تُعرّف منظمة الصحة العالمية مقاومة المضادات الحيوية بأنها قدرة البكتيريا على تطوير آليات تمكّنها من النجاة رغم استخدام الأدوية المصممة للقضاء عليها. وقد صنّفت هذه الظاهرة ضمن أخطر عشرة تهديدات للصحة العامة في العالم، نظرًا لتأثيرها المباشر على فشل العلاج وارتفاع معدلات الوفيات.

في موسم الإنفلونزا تحديدًا، تكمن المشكلة في الخلط بين العدوى الفيروسية والعدوى البكتيرية. فالإنفلونزا ونزلات البرد ناتجة عن فيروسات، والمضادات الحيوية صُممت لاستهداف البكتيريا فقط، ما يعني أن استخدامها في هذه الحالات لا يحقق أي فائدة علاجية. بل على العكس، فإن هذا الاستخدام غير المبرر يعرّض الجسم لآثار جانبية غير ضرورية، ويمنح البكتيريا فرصة لتطوير مقاومة تجعل علاج الالتهابات البكتيرية المستقبلية أكثر تعقيدًا.

تشير دراسات منشورة في مجلة The Lancet ضمن مشروع GRAM إلى أن مقاومة المضادات الحيوية كانت سببًا مباشرًا في أكثر من 1.2 مليون حالة وفاة سنويًا على مستوى العالم. كما أظهرت التقارير ارتفاعًا مقلقًا في مقاومة بكتيريا شائعة مثل Escherichia coli وKlebsiella pneumoniae لمضادات تُعد من الخطوط العلاجية الأساسية، وهو ما يُنذر بتقلّص الخيارات العلاجية المتاحة للأطباء.

ولا تقتصر خطورة هذه الظاهرة على فشل علاج التهابات بسيطة، بل تمتد لتُهدد ركائز الطب الحديث. فالعمليات الجراحية، وعلاج مرضى السرطان، وزراعة الأعضاء، ورعاية المرضى في وحدات العناية الحثيثة، تعتمد جميعها على وجود مضادات حيوية فعّالة للوقاية والعلاج من الإنتانات الخطيرة. ومع تزايد المقاومة، يصبح ما كان إجراءً طبيًا روتينيًا تحديًا قد يهدد حياة المريض.

في هذا السياق، يبرز الدور المحوري للصيادلة كحلقة أساسية في منظومة الرعاية الصحية، لا سيما خلال مواسم انتشار العدوى التنفسية. فالصيدلاني المؤهّل لا يكتفي بصرف الدواء، بل يساهم في ترشيد استخدام المضادات الحيوية، وتوعية المرضى حول الفرق بين العدوى الفيروسية والبكتيرية، ويشارك في برامج Antibiotic Stewardship الهادفة إلى الحفاظ على فعالية هذه الأدوية.

 

إن موسم الإنفلونزا لا يستدعي دائمًا وصف مضاد حيوي، بل يتطلب تشخيصًا دقيقًا، وعلاجًا داعمًا مناسبًا، ووعيًا مجتمعيًا يدرك أن التعافي لا يعني بالضرورة تناول مضاد. فالمضاد الحيوي ليس خيارًا وقائيًا ولا علاجًا سريعًا لكل مرض، بل أداة طبية دقيقة يجب استخدامها فقط عند الحاجة الحقيقية.

في الزمن الذي تتزايد فيه مقاومة البكتيريا،
يبقى الوعي هو خط الدفاع الأول.

 

.بلقيس ابراهيم الصعوب/ دكتورة صيدلانية وباحثة في المجال الصحي / مختصة بالتوعية الدوائية والممارسات المبنية على الدليل العلمي

 

قد يعجبك ايضا