الملياردير صبيح المصري «أطلق سراحه ولم يعد» وهجوم «وقائي» أردني ناجح لامتصاص «حراك الأسهم» والتداعيات بعد «قرصة الأذن» السعودية

403

المرفأ الاخبارية : خطوة في غاية الأهمية «سياسياً ومصرفياً» ومناورة رسمت فجر الأحد ونفذت في الصباح الباكر أردنياً لـ «امتصاص» ردة الفعل الأولى في السوق المالي على اعتقال الملياردير صبيح المصري قبل الإعلان «العائلي» الغامض عن الإفراج عنه… جهة أردنية استثمارية «شبه رسمية» تكفلت باحتواء موجة «رعب المساهمين» الأولى خصوصاً على أسهم البنك العربي عندما اشترت وبكميات كبيرة الأسهم التي بادر الخائفون والمرتعبون لبيعها بصورة سريعة حفاظاً على القطاع المصرفي وأهم ذراع فيه.
حجم مبيعات الأسهم صباح الأحد وصل إلى نحو عشرين مليون دينار أردني بينما كان في معدله الطبيعي لا يتجاوز أربعة ملايين دينار. الحصة الأكبر من عملية التداول الضخمة حظي بها حسب خبير متخصص ومسيّس تحدث لـ»القدس العربي» البنك الذي يترأسه الملياردير صبيح المصري وبحجم تداول وصل إلى ما يزيد على 150 ألف سهم.
في الصباح الباكر لوحظ أن سهم البنك العربي هبط بقيمة 20 قرشاً، لكنه عاد للتعافي نسبيًا ومن أول ساعتين بعدما تقدمت تلك الجهة واشترت كل الفائض في السوق للحفاظ على قيمة السهم ومنع الانخفاض الكبير فيها. ذلك لا يمكنه أن يحصل إلا في إطار قرار سياسي عميق للدولة الأردنية واستراتيجية وقائية تعاملت مع الاحتمالات كلها.
ولا يمكنه أن يحصل بطبيعة الحال من دون خلية أزمة على رأسها من جهة تمثيل الدولة رئيس البنك المركزي الأردني الدكتور زياد فريز وهو صديق شخصي مقرب من صبيح المصري أو من دون تعاون من الإدارة العليا في البنك العربي.
لعبة الأرقام في الأسهم تعبر بالحد الأدنى عن هجوم وقائي مركزي ومناورة سياسية بالذخيرة الحية في عمق سوق عمان المالي احتوت بذكاء وفعالية نوعين من الأضرار التي نتجت عن نقاشات وإشاعات اعتقال المصري في السعودية من مساء الأربعاء الماضي إلى مساء السبت.
أولها الأضرار الطبيعية الناتجة عن عملية بيع كثيفة وتلقائية للخائفين، وثانيها تلك الاستراتيجية التي يمكن الاحتياط لها بمنع تدخل جهة خارجية لشراء أسهم الفائض وبصورة ترجح أن مؤسسة تملك المال مثل الضمان الاجتماعي هي التي دخلت على الخط.
نجح التكتيك في بعده الفني المالي بعدما حظي بغطاء سياسي على مستوى الدولة. حصل ذلك بالتوازي مع إعلان أطراف في عائلة المصري الإفراج عنه ووجوده في منزله بالعاصمة الرياض، وهو ما أكده لـ»القدس العربي» صباح الأحد مصدر مقرب جداً من رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري الذي قاد بدوره سلسلة اتصالات لتأمين الإفراج عن عميد العائلة الاقتصادي والمالي.
حصل ذلك بطريقة تظهر أن الأردن الرسمي تعامل مع أزمة اعتقال المصري أصلاً باعتبارها ملفاً سياسياً وليس فقط ملفاً مالياً برغم استراتيجية وتكتيك التهدئة والمتابعة التي تقررت مبكراً، وبمجرد وصول خبر اعتقال الرجل لعمان كبديل عن الغرق في سيناريو الحريري ولبنان.
الأردنيون جميعاً ومن دون استثناء انشغلوا في تصنيف حادثة الاعتقال أصلاً وسط معادلة تراوح بين ربط حادثة الاعتقال بالخلافات السياسية مع السعودية المتعلقة بملف القدس تحديداً وحالة تكتيكية تميل إلى التهدئة والعمل الفوري على جبهتين: .. تأمين الإفراج أولاً عن الركن الاقتصادي البارز في الأردن الملياردير الموقوف في الرياض، والمسارعة لاحتواء تداعيات القصة على القطاع المصرفي وسوق الأسهم في الداخل بالمقابل.
تستطيع «القدس العربي» أن تؤكد أن العاهل الملك عبد الله الثاني تدخل في إدارة الجانب الأردني من التعاطي مع المسألة وله بصمة أساسية في تأمين الإفراج عن صبيح المصري باعتبار الرجل رمزاً للاقتصاد الأردني ومن دون تصعيد او بهرجة او مبالغة وحتى من دون تحويل القضية إلى رأي عام.
ظُهر أمس الأحد تمكن صديق للمصري وأحد أقطاب عائلته على الأقل من التحدث معه في منزله في الرياض لتأكيد إطلاق سراحه، وبدأ مقربون من الرجل بنشر سلسلة من التعليقات التي تتجنب الضجيج والتسييس مثل التعامل معه بارتياح خلال الاحتجاز او طرح سؤال واحد فقط عليه بغرض جمع المعلومات او حتى مثل نفي حصول واقعة الاعتقال أصلاً في سلوك مفهوم في بعده الإنساني والعائلي.
لكن التجاوب السعودي الجزئي مع إلحاح المرجعيات الأردنية بإطلاق سراح الملياردير الذي أثار اعتقاله ضجة واسعة النطاق لا ينفي مسألتين في الواقع الموضوعي أولهما وجود بُعدٍ سياسي للقضية برمتها.
وثانيهما وصول رسالة تنطوي على نوع من التهديد والمناكفة للأردنيين وهي رسالة تعكس حجم الخلافات السياسية أكثر مما تعكس حجم التوافق الذي يتحدث عنه بخجل مسؤولون ورجال أعمال واقتصاديون.
عنصر ثالث في المشهد يتوقف عنده شركاء وأصدقاء المصري أيضاً برغم إعلان إطلاق سراحه حيث عاد الرجل إلى منزله في الرياض، ولم يغادر لسبب لايزال غامضاً إلى عمان حيث يقيم ويستقر. هنا يمكن ببساطة ملاحظة أن حديث العائلة عن عودة قريبة للمصري بعد إكمال «أشغال» لها علاقة بمؤسساته في السعودية لا ينسجم مع الحقيقة الثابتة التي تؤشر إلى أن الرجل اعتقل أصلاً وهو في طريقه إلى المطار وبعد إنجاز تلك الأشغال التي قيل إنه غادر للرياض أصلاً من أجلها.
واضح تماماً لـ «القدس العربي» أن الأردن لن يطمئن تماماً إلا عندما يعود المصري إلى منزله في عمان. وأن مركز الثقل السياسي بحاجة ــ بصرف النظر عن ما حصل بكل تفاصيله ــ لاستشعار الدوافع والخلفيات وترسيم السيناريوهات والاستنتاجات لأن مسألة صبيح المصري أثـارت ضـجة غير متـوقعة بكـل أبعـادها.
ولأن عمان تحتاج لقراءة أعمق اليوم سياسياً لـ «قرصة الأذن» السعودية الملموسة في الوقت الذي يمكن أن يسهم تعاطي الموقف الملكي والرسمي الأردني الهادئ والواثق مع الوقائع في العودة لإنتاج مقاربة على أساس إما حوار مصالح أو تقديم مكاسب وتنازلات، وهو الأمر المرجح عند محاولة فهم شراسة واتجاهات الرياض قبل أي اعتبار آخر.«القدس العربي»


 

قد يعجبك ايضا