مفهوم العدالة الاجتمـاعيــة وأزمـــــة الفكر العربي المعاصـــر …بقلم الدكتور احمد الهناندة
كان موضوع العدالة الاجتماعية ولا يزال يشكل هاجس جميع المفكرين وأصحاب الآيديولوجيات والمذاهب الدينية والدنيوية على حد سواء وتوحدوا على سؤال واحد كان السؤال محلاً لفلسفاتهم المختلفه هو : كيف نحقق العدالة الاجتماعية ؟ ويدعي الجميع وعلى اختلاف انتماءاتهم الفكرية ورسالاتهم ومذاهبهم بأن ما يسعون اليه من خلال ما يطرحوه من افكار ومذاهب هو ذات الغاية ألا وهي تحقيق العدالة الاجتماعية , فيرى الليبراليون بأن الليبرالية تحقق العدالة الاجتماعية ورأى الاشتراكيون ذات الغاية , كذلك أتباع الديانات كل يرى في تطبيق الدين الذي ينتمي اليه عدالة اجتماعية
والجدير بالذكر بأن موضوع المساواة أخذ حيزاً بالغاً كأساس لتطبيق العدالة الاجتماعياً وشكل أرضية مشتركة عند الجميع , وقد كان بنداً دائم الحضور في فلسفاتهم المختلفة رغم اختلاف المشارب والكيانات الاجتماعية التي ينتمون اليها والمدارس الفكرية التي ينطلقون منها , ولا أريد الحديث هنا عن مفهوم المساواة بشكله العميق ولا العدالة الاجتماعية بالطرق الطوباوية منها أو المثالية كما نادى بها كبار مفكري العصور القديمة والوسطى كأمثال أرسطو وسسرو واوغسطين وابن خلدون ووو… وغيرهم والذين تباينوا في الكتابة حول السلطة والدساتير وانظمة الحكم وانعكاس ذلك كأساس على العدالة الاجتماعية كما قسم بعضهم العدالة الى توزيعية واصلاحية وتحدثوا بما يكفي عن الفرد والمجتمع والدولة لكن رغم التباين بين أفكارهم ورغم أن البعض دخل بموضوع مدينة الأرض ومدينة السماءوصنفها آخرون بالسلطة الدينية والسلطة الزمنية, لكن كل ذلك هو تعدد للرؤا والأفكار للوصول الى العدالة الاجتماعية, وقد تشكل مزيجا فكريا قد يستفاد منه أويبنى عليه الفكر المعاصر وهذا هو هاجسي الأول وهو العدالة الاجتماعية في الفكر العربي المعاصر, وأين الفكر العربي المعاصرفي مجمل الأزمات التي يعيشها العالم العربي ويحياها العالم من حولنا ؟
ان المتتبع لما ينتج عن النخب الفكرية العربية المعاصرة يلحظ مجموعة من الملاحظات التى لا يستطيع اغفالها عند الحديث حول ما يسمى أزمة فكر عربي نعيشها في عالمنا المعاصر وتتلخص بعض هذه الملاحظات بما يلي
أولاً: هناك تيار ديني متشدد يرى بضرورة العودة الى الدين والتاريخ بالشكل الذي فهموه عليه واعتبروا بأن ذلك يصلح لكل زمان ومكان كمسلمات حرفية غير قابلة للتعديل أو الجدال أو حتى النقاش وهويشكل جزءا من الاسلام السياسي .
ثانياً: تيار ديني يرى بأن الدين منفتح على العقل ورأى بأن هناك ثوابت في الدين مسلم فيها, وهناك أمور عديدة تخضع للأجتهاد العقلي وفقاً للظروف والأحوال على أن تحقق الصالح العام ولا تتعارض مع أصول الدين, وهذا التيار أكثر انفتاحاً وشكل جانب أوسع من الاسلام السياسي وبالطبع فالاسلام لديهم نظام حياة ومستندين على أن الدولة الاسلامية نجحت تاريخياً وأن الذي أضعفها هو التجاوزات على الدين لصالح الأنا وحب الدنيا لدى آخر السلاطين .
ثالثاً: تيار يرى بأن الدين كنظام حكم مرحلة تاريخية وشيء من الماضي ولا ينبغي العودة الى الوراء وينادي بالليبرالية على أساس أنها آخر ما توصلت اليه الحضارة المتمدينة وتطبقة على الرغم من السلبيات التي تعيشها تلك المجتمعات مسلماً بأن ذلك هو أفضل الموجود.
رابعاَ: تيار يرى بأن الأحزاب القومية العربية حين وصلت للحكم حققت نجاحاً ولو نسبياً رغم أنها جسدت نظام الحزب الواحد ويرى بأن مثل تلك الأنظمة تعرضت لما يسمى بالمؤامرة.
خامساً: تيار يرى بالديموقراطيات الغربية نموذجاً صالح للتطبيق على مجتمعاتنا ومواكب للعولمة وحقوق الانسان كما تعيشها المجتمعات الغربية .
المتتبع للتيارات الفكرية أعلاه وغيرها لا يجد أي منها مطبق أو قابل للتطبيق على أرض الواقع لأنها خيارات في التفكير لا خيارات في التطبيق, وأن سيطرة النظم السياسية القائمة على مجمل الأمور واختراقها لمؤسسات المجتمع المدني وتوجيهها وتهميش النخب الفكرية, وانعدام الوسائل الديموقراطية الصحيحة لوصول الأحزاب الى السلطة او انعدام حتى الحياة الحزبية في العديد من هذه المجتمعات وبرمجة المجتمعات
اعلاميا واعدادها نفسيا للايمان بأن الحاكم هو القائد الملهم وهو الشرعي فقط ولا يمكن أن تسير البلاد بمأمن الا به بل وأن بعضها لا زال يشكل أحد صور الأنظمة الثيوقراطية التي كان ينبغي أن تكون شيئاً من الماضي , وتتناسى تلك الأنظمة أو أنها لاتعي بأنها وان يساعدها ذلك باستمرار حكمها وطول مدة الحكم من خلال السيطرة على الداخل , لكنها تصنع مواطناً مهزوم داخلياً ويعتريه الاحباط التام الأمر الذي يجعل الدولة ضعيفة في مواجهة العدوان الخارجي , وقد أشار العديد من المفكرين الى أهمية هذه النقطة ومنهم المفكر الروماني بوليبيوس الذي قال : ان ما يعطي القوة للدولة هو أن يخوض المواطن المعركة الى جانبها بناءاً على وعيه السياسي وتعلقه بدولته وهذا يتأتى من خلال مشاركته في الحياة السياسية ,
لكن طبيعة تبعية تلك الأنظمة لا تمنحها هامش من الحرية لتطبيق ما يتلائم مع طبيعة المجتمع وتركيبته الاجتماعية لأن ضغوط القوى المتبوعه لا تسمح بذلك للأنظمة التابعه وترى في ذلك أساساً لأستمرار التبعية مقابل مساعدات اقتصادية , كما أن استمرار ذلك يتطلب الأنصياع لثقافة الخارج وتطبيق قرارات وأنظمة خارجية وما يصدر عن منظمات أو اتفاقيات دوليه ومنها على سبيل المثال ( سيداو) على الرغم من أن ما يصلح لمجتمع ليس شرطاً بأن يكون صالحاً لمجتمع آخر, أما التركيبة الأجتماعية والسوسيولوجيا التوصيفية للمجتمعات العربية فقد أصبحت متباينة وتتناقص فيها الأسس التي تشكل هويتها الفكرية أو تضعف , صحيح أن منها لا زال لصيق بالعقيدة الدينية الا أن جموع المتأثرين بالعولمة في تزايد مستمر وفيه انفتاح على فكر الآخر وهذا قد يكون جيداً لو أن الفكر العربي الذاتي في تنامي حيث يمكن أن ينافس ويعزز الهوية
الفكرية العربية لكننا والحالة هذه أصبحنا أمام خيارين لا ثالث لهما فاما العودة الى الوراء واما التسليم لفكر الآخر!, كما أن أقلام العديد من المفكرين أصبحت تكتب بتوجيه ومن أجل الرزق وقد تكون كتابات غير حياديه حيث على المفكر بأن يكون متزناً ولا يميل مع الهوا كما كان نهج المفكر ابن خلدون في جميع مؤلفاته
استناداً لكل ذلك لا بد من دعم الأبحاث والدراسات المتعلقة بالمجتمع وفق استراتيجية مجتمعية موحدة تأخذ بعين الاعتبار جميع المعطيات الاجتماعية بما في ذلك التنمية الفكرية للفرد عبر مراحل التعليم وكذلك من خلال أنشطة كافة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وهذا يتطلب أيضاً اتخاذ خطوات سياسية هامة لتفعيل آليات العمل الديموقراطي وتوسيع قاعدة المشاركة في السلطة والحفاظ على الأسس التي ترسخ هوية المجتمع الثقافية انطلاقاً من صياغة النظام الذي يصلح للمجتمع من داخل المجتمع ذاته, لا البحث في تغيير سلوك المجتمع لينسجم مع نظام ما من خارجه !!!؟, كما أنه لا بد من تشجيع النخب الفكرية على الابداع وتوفير البيئة الآمنة للكتابة والتعبير عن الرأي بتجريد وبعيد عن المحاسبة وأخيراً نقول بأن مفهوم العدالة الاجتماعية والفكر هما صنوان لا يفترقان وكلما عشنا أزمة فكر في عالمنا العربي سنعيش أزمة عدالة اجتماعية ويبقى ذلك مرهوناً بمدى اتساع نطاق الحريات السياسية وتطبيق الديموقراطية الحقة